عين على «جاستا» وعين على السعودية «2 ـ 2»

نواصل اليوم الحديث في الحلقة الثانية عن قانون جاستا وردود أفعاله وتداعياته خاصة بين الأوساط السعودية حيث شهد حالة من الجدل واللغط حول تداعيات صدور مشروع قانون جاستا الأمريكي – المراد تسميته "قانون العدل ضد رعاة الأعمال الإرهابية" - والأثر المترتب عليه اجتماعياً واقتصادياً وسياسياً. وقد تناولنا في الحلقة الأولى الحديث تاريخيا عن هذا القانون وعلاقته بأي اتجاه آخر في هذا المسار المسمى به. ولماذا طرح في الوقت الحالي بالذات، والمعضلات التي سيواجهها. والموقف القانوني للسعودية. ومن خلال فقرات مقال اليوم نستعرض بقية العناوين الرئيسة لهذا القانون.

خامسا: ضوابط إقامة دعوى بموجب قانون جاستا
يقتضي قانون جاستا مرور القضية بمرحلة حاسمة قبل دخول المحكمة في تقدير التعويض إذ نص القانون على ضرورة إثبات مساهمة الدولة المدعى عليها بشكل مباشر أو غير مباشر ( مع تحقق علمها ) في الدعم المادي أو الموارد للإرهاب ، وهذا يعني أن على المدعي عبء إثبات العلاقة بين خطأ الدولة المدعى عليها والضرر الذي أصابه وعلاقة السببية بينهما وضلوع الدولة المدعى عليها في العملية الإرهابية ودون ذلك فالدعوى لن تكون مقبولة ، كما أن الحجز على ممتلكات أي دولة مدعى عليها يقتضي توافر شروط وضوابط وضمانات يجب أن يقدمها المدعي ولم يمنح القانون أي استثناء للقضاء الأمريكي على الحجز التحفظي.
كما أود أن أشير هنا إلى أن المحلفين الذين سينظرون القضية المدنية لا يعد حكمهم نهائيا ومن حق القضاء الابتدائي عدم التصديق على حكمهم أو تعديله أو إلغائه. وفي كل الأحوال هناك درجات للتقاضي ترفع إلى المحكمة الدستورية.
ولو افترضنا جدلا صدور حكم نهائي من القضاء الأمريكي بتعويض ما ضد دولة مدعى عليها فكيف سيتم تنفيذ الحكم؟

سادسا: تنفيذ الأحكام وردود الأفعال القانونية
إن أحد أهم ردود الأفعال الدولية كان من المجموعة الأوروبية التي رفضت مشروع القانون واعتبرته اعتداء على سيادة القانون الدولي ، ومن الواضح أنه يلوح في الأفق رفض المجتمع الدولي لنسف مبدأ مهم ومستقر في القانون الدولي وهو سيادة الدولة.
وهذا يجرنا – في حال رفض المجتمع الدولي نسف الحصانة السيادية للدول – إلى رفض الدول أن تطبق على أراضيها أي حكم صادر من المحكمة الأمريكية بموجب قانون جاستا ، وعندئذ ستكون الأحكام الصادرة بموجب «جاستا» حبرا على ورق ، وينحصر تنفيذها فقط داخل الولايات المتحدة.
العلاقة بين القانون والسياسة علاقة متلازمة، ووضع اليد على مكامن القضايا والصعوبات التي تعيق نجاح أهداف أي دولة مع ما أفرزته الأحداث الأخيرة يثير إشكالية غياب الاستثمار الحقوقي للقضايا العربية.
إن استدعاء المسألة الحقوقية يكشف لنا استغلال الأعداء للعبة القواعد القانونية، لذا فإن المعالجة تمر عبر الاستثمار في الحقوق كرؤية في التفكير لدرجة التمكن من المساهمة في صياغة القانون الدولي أو على أقل تقدير المطالبة بتطبيقه.
والراصد لمشروع الأجندة الأمريكية الحديثة - خصوصا في الشرق الأوسط- يجد أنها تستهدف إيجاد سوابق قانونية ضمن تداعيات أحداث الحادي عشر من سبتمبر لعام 2001م التي أعادت رسم خريطة السياسة الخارجية الأمريكية. والمتتبع لخطوات تلك السياسة يجد أن الهدف الاستراتيجي للقوى العظمى يصاغ بإطار وبعد قانوني وبتأصيل جديد لم يعهده القانون الدولي.
ورغم ما يصادفه أمر استثمار الحقوق من مصاعب ومشاق في ظل وقت يتزامن مع هيمنة غربية على فقه القانون الدولي، إلا أنه من المهم إيقاظ الحس الحقوقي العربي لدى المجتمع الدولي وتوظيف الإمكانات بإنتاج يمكن تلمس آثاره في القضايا العربية، وبين هذا وذاك تبدو معادلة المساهمة في صناعة القانون الدولي مهمة ليست ضرورية فحسب، بل حتمية، وإلا فإن القضايا العربية ستقف عند حد المشاعر المتعاطفة التي ستتلاشى بعد حين.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي