ما رأيكم أن نحطم الشماعات؟
.. البيرق الذي يرفرف فوق العالم وحوله الآن هو علم الإبداع.
نعم الإبداع أصبح علما يدرس في الجامعات، وتؤلف عنه الكتب، وتقام المؤتمرات وورش تبادل الأفكار. يعني أن الإبداع ليس كما كنا نظن في السابق أنه مقصور على ناس مصطفين زودوا بجينات التميز والعبقرية. وهذا أمر مهم جدا كي تتطور أمة في القرن الـ 21.
ومن هنا علينا أن نفهم ونثق ونعترف بأنه إن كان هناك تقصير في أداء الأعمال كما دار أخيرا، فهذا ليس ذنب الناس إنما لعدم وجود إطار كبير نضع فيه لوحة الإبداعات للعقول الوطنية. وعندما لا يكون هناك توجه لمعرفة علم الإبداع وتطبيقه بجدية واحترافية فإن العالم لن ينتظرنا في محطة الرتابة والتكرار واللوم والحلول السهلة التي تعلق على شماعات مسكينة وجاهزة.
إن الذين يلومون ويتهمون من فوق هم من ينقصهم مهارات الإبداع وقوة الخيال، واستخدام أهم جهاز كوني على الإطلاق وهو العقل الإنساني. فإن خالقنا سبحانه زودنا بعقول لإعمار الأرض ووضع مناهج عيشنا، في أرض عذراء. وكان على العقل الإنساني أن يفكر ويجد الطرق والحلول لمقاومة التحديات العظمى ضد أصل بقائه، وعلى باعث تقدمه. فنتفق إذن على أن العقل لا نستخدمه لعد المشكلات- والحقيقة أن عد المشكلات وترحيلها على معالق جاهزة ليس تفكيرا على الإطلاق- مهمة العقل هي تجاوز المشكلات. يعرف علماء النيورولوجي – علماء المخ والأعصاب- أن العقل بحاجة شديدة إلى الخيال الإبداعي في ابتكار وقائع أفضل وأسرع وأسهل، بل إنها غذاؤه الغريزي لأن التفكير هو الذي يحرك الدم ويوقظ الموصلات الدماغية في 100 مليار حجرة مخية في أدمغتنا- تصور أن عدد خلايا المخ يساوي عدد نجوم المجرة الهائلة بأكملها- وعندما تقول إني لا أستطيع أن أنجز تطورا لأن أمامي عقبات، فإنك هنا تخون عقلك، وصدقوني إن أكبر الخيانات هي أن تخون عقلك، وخيانة العقل بمنع الغذاء عنه، وغذاؤه التفكير.
المعلمون والمربون يعتبرون الإبداع من أهم طرق التعلم وتاجها اللامع وقائد صفوف أحجار الدومينو الأول. وعلماء النفس يعتبرون الإبداع الطابق العلوي في النفس الإنسانية الذي يؤدي إلى معرفة النفس واقعيا ويطلقون عليها Self-actualization. بينما يعتبر رجال الاقتصاد والأعمال والإدارة أن الإبداع أثمن صفة في القائد العملي العصري. والإبداع ليس بضاعة كمالية، ولا هو بضاعة تلقائية، إنما هو البضاعة الأهم والأثمن، فأكثر ما تربح به الأمم من أصول على الإطلاق هو أصل القدرة الإبداعية البشرية.
نحتاج بالضرورة وبمنطق التطور إلى الإبداع وتعلم الإبداع بل حتى إلى ما أسميه صناعة الذكاء. نعم، الإبداع يمكن أن يتعلمه الناس في صفوف الدراسة ويمكن أن يتعلمه المواطنون في معاملهم وشركاتهم ومصالحهم ودواوينهم ومكاتبهم، إنها عملية تجري كما يجري النهر الذي يتدفق ويصب بلا توقف. والذكاء يمكن صناعته ضمن معطيات علمية معروفة الآن في المدارس والجامعات والمعاهد والدور البحثية المتخصصة، فليس ضرورة أن يكون المخترع موهوبا بخلقته كأديسون، بل يمكن أن يكون مبدعا بالعلم مثل أينشتاين الذي قال إن 99 في المائة من العبقرية هي عرق واجتهاد. فالناس الجادون عندما يعلمهم متخصصون جادون يتلبسون الإبداع كما حصل في سنغافورة وفنلندا، بل كما يحدث في الهند وسريلانكا والفلبين، وانتظروا هذه الدول؛ يكفي أن المجتمع السريلانكي في طريقه للتحول لمجتمع متقدم وذكي، بعد أن كانوا خدم الإمبراطورية البريطانية. والهنود تعدوا صناعة الذكاء إلى ممارسته والتفوق في بلدان أخرى في المال والمناصب والمهن والأكاديميا.
عندما تعلم الناس الإبداع، فهذه يعني في المقام الأول أن تكون أنت مبدعا.. والمبدعون لا يعلقون شيئا على الشماعات. بل مهمتهم الأولى.. تحطيم الشماعات!