هكذا علمتني الأيام «17»
التاريخ المعلم الذي ننسى أن نتعلم منه
إننا لا نتعلم من التاريخ. ثم اكتشفت أن هذه المقولة غير صحيحة تماما، فنحن لا نعرف التاريخ أصلا، لذا نكرره. ولأننا نجهل التاريخ، لا نعلم أننا نكرر تجربة كانت قد عبرت وصارت وتكررت من مائة سنة أو من عشرة آلاف من السنين، من فجر الحضارة الإنسانية الواعية. أعجبني قول قرأته يوما وعلق بذهني كالتالي: "مسكين من لا يعرف التاريخ، كمثل حشرة صغيرة على ورقة شجر، ولا تعلم أنها تنتمي لشجرة". فتصوروا تفكير تلك الحشرة التي تعتقد أن كل عالمها تلك الورقة. لو فحصتم التاريخ لوجدتم أن القصص تعاد بالوتيرة ذاتها وبالأخطاء الإنسانية الكبرى نفسها من الحروب والخيانات وشهوة السلطة المستطيرة.
العراق أرض الحضارة والآفاق
العراق بالذات مهد الحضارة البشرية. ولما نقول المهد لا يعني أن الإنسان أول ما قطن هناك، فالبشر أول جيناتهم الأولى في الحبشة في إفريقيا، ولما ازدهرت حضارات ما بين نهري الفرات ودجلة، كانت فارس موجودة والصين والهند، وانتشرت الهندوسية والزرادشتية وشاعت أول لغة منتظمة وهي السنسكريتية، الهندية القديمة. ولكن ما حدث في العراق من أكثر من خمسة آلاف سنة الأكثر تأثيرا في العالم وتطوره الحضَري الإنثربولوجي التاريخي بكل المقاصد والظروف منذ أن عرف المؤرخون أن شعوبا سبقت الحضارات التي نعرفها في العراق وأسست حضارة لم نفهمها بعد وآثارها موجودة في شمال العراق عند "تل حسونة" واسم المنطقة يتداوله علماء الحضارات بإجلال واحترام، كما هو الحال في مناطق قريبة مثل "كهف شانيدار"، و"جرمو".
لكم ولي أن نعرف أن كل هذه المناطق هي من خانقين للموصل في عصرنا هذا. والجماعات والديانات الفسيفسائية الموجودة في مجتمع شمال العراق بالتحديد إرث تاريخي من سبعة آلاف عام، وإني واثق أن من يحمل بندقية أو يتحصن بدبابة الآن في الموصل لا يرى في تاريخ أهله ودمه الذي يجري في عروقه أبعد من فوهة بندقيته أو مدفعه.. لذا أتى الخراب.
لو كان الجهل بالتاريخ رجلا.. لدخلت به السجن من زمان!
سرجون
إذا أردتم أن تعرفوا أول ملك في التاريخ، فإياكم هو، إنه سرجون. قبل أكثر من ثلاثة آلاف عام وضع سرجون نفسه ملكا في العراق كأول ملك في التاريخ. إذن الملكية أول ما عرفت في العراق ثم تتابع آلاف الملوك والملكيات بعد ذلك إلى يومنا الحاضر. من يعرف الملك العظيم سرجون؟ من يعرف قصته؟ البعض قد يهز كتفيه ويقول: "ماضي، من يهتم؟" وغريب أن يقال ذلك. كل العالم سلسلة أحداث مترابطة منذ وعينا بجنسنا إلى اليوم.
هذا السرجون كان فقيرا ابن بستاني عاش في شمال العراق وربما كانت قريته "كيش" من أعمال الموصل الآن. هذا الفقير وصل إلى الحكم من مدينته "كيش" ثم تطلع إلى حكم كل ما بين النهرين (العراق). وبالفعل هزم غريمه حاكم أوروك العظيم، ودانت له كل ما بين النهرين، وهل اكتفى؟! فكمثل كل طامع للقوة توسع سرجون في مملكته، فامتدت وتمططت حتى وصلت لبنان وأناضوليا (تركيا). وكان لقبه "الملك صاحب الحقيقة" ونقل عنه أنه قال: "إن كل حاكم من الآن وصاعدا يعتقد أنه مساوٍ لي.. فليرحل!"
حمورابي
ضاق المكان عن هذا المشرّع العظيم وأول من درّس العالم النص القانوني الواضح والمكتوب في كل تفاصيل الحياة، وكانت عنده محكمة نقض، واستئناف وعليا برئاسته. وكي تعلموا مدى دقة شريعة حمورابي، فالزوجان يوقعان عقدا قانونيا تفصيليا بالحقوق والواجبات في المحكمة.. ويتحاكمان بنصوصه، متساويين.. تصوروا!