سفينة السعودية وأمواج الاقتصاد العالمي
بدأ الاستشراف الحقيقي في السعودية، والذي يجب أن يدرس عالمياً، فرؤية 2030 لم تكن مجرد أحلام، كما أن كثيراً من عقليات 2016 لم تكن تستوعبها، فلم يتصور القريب قبل البعيد ما سيحل بالعالم، كما لم يتوقع المحللون أن تتجه أكبر دولة نفطية للاعتماد على غير النفط وتتجه لتنوع مصادر دخلها.
الاستشراف الإستراتيجي فن لا يجيده إلا النوادر، وقد حبانا الله بقائد شاب همام، قرأ الأحداث وكأنه قد عاصرها فوضع الحلول لها قبل الوصول لزمنها.
ولنجعل الأرقام تتحدث
فالناتج المحلي المعتمد على النفط بشكل كامل 2016 كان 2497 مليار ريال بينما تعدى 4003 مليارات ريال 2023 مع تنوعٍ كبير في مصادر الدخل.
لقد كان عام 2020 هو أوج أزمة كورونا، وأعلنت دول إفلاسها، وشارفت دول أخرى على الإفلاس، وما زالت حتى اليوم دول لم تقف من هول تلك الفاجعة، ورغم كل التحديات والأمواج المتلاطمة والليل الدامس لم ينخفض الناتج المحلي عما كان عليه في 2016.
هذا ما يتعلق بالناتج المحلي فماذا عن بقية المؤشرات.
التضخم، نسبته عام 2016 كانت 3.6% وهبطت إلى 2.3% عام 2023، وكانت هي الأقل عالمياً في سنة كورونا 2020.
أما نسبة التغير في الناتج المحلي غير النفطي، هنا أوقفك بكل فخرٍ لأعلمك أنه كان في 2016 متواضعاً لم يصل إلى 0.1%، ومع السير بالرؤية وتنوع الاقتصاد ودعم القطاع الخاص نصل لنسبة عظيمة بلغت القفزات في 2023 إلى 4.42%، ولفهم حجم هذا التغير، فانظر إلى نسبة التغير في الناتج المحلي النفطي عام 2016 التي كانت 3.8% لتصبح 2023، 9%.
بعد سنة واحدة من 2016 (سنتنا الأساس)، ورغم انخفاض سعر برميل النفط أقل من 50 دولاراً، فإن الاقتصاد السعودي الشامخ سجل في 2017 نمواً قدره 1.6%، ثم تأتي سنة 2018 لينمو اقتصادنا 2. 4% وبمثل ذلك قل عن 2019.
في 2020 تم إعادة ترتيب بعض أولويات الإنفاق بسبب كوفيد وزيادة إيراد القطاع غير النفطي نتيجة للتأثير السلبي للأزمة على أسواق النفط، أدت هذه الخطط إلى نجاح ارتفاع النفقات الحكومية فقط 5.5% نهاية 2020 عما كان مخططاً له في نهاية 2019، كما أن نتائج الإيرادات كانت قريبة جداً من المتوقع رغم صعوبة الأزمة، وكانت هذه الخطط كفيلة بتسارع التعافي.
وأما في ميزانية 2021 فإن إجمالي الإيرادات ارتفع 13.7% عن الميزانية المعتمدة بداية السنة بينما الارتفاع في المدفوعات عما هو مرصود كان فقط 4.9%، وبالرغم من الجائحة شهد 2021 أعلى نمو للعائدات غير النفطية منذ 2013.
وأما الدين العام، فتم التوجه لجعل 69% منه محلياً مع ارتفاع متوسط أجل الاستحقاق إلى 9.5 سنة، ليكون الاحتياطي السنوي بأمان وبعيداً جداً عن مخاطر الدين العام.
لقد كانت سنة 2022 سنة دعم المخزونات الإستراتيجية للمواد الأساسية، وزاد من خلال ذلك وغيره من الدعومات إجمالي النفقات 21.9%، وهي نسبة كبيرة، إلا أن إصرار حكومتنا الرشيدة بضرورة أن نعز أنفسنا بالاكتفاء الذاتي لمواجهة أي تقلبات كما يحدث الآن من صراع التعريفات الجمركية والتقلبات الهائلة بين أمريكا والصين، كان يحتم هذه الزيادة، التي نجني ثمارها الآن.
لكن توقفوا قليلاً، فهذا الإنفاق لا يعني كسر الهمة، بل على العكس، فرغم هذا الدعم والإنفاق إلا أن الرؤية الحكيمة قد اختتمت سنة 2022 بفائض في الميزانية وصل إلى 104 مليارات ريال، وجعلت إصدارات الدين المحلي تصل إلى 85%.
وتواصل سفينتنا المسير لترتفع الإيرادات غير النفطية 15.5%، ويستمر الصرف على عديد من الإسترتيجيات المناطقية والقطاعية الواعدة.
ونختتم في 2024 الذي سجلت فيه الإيرادات غير النفطية زيادة غير مسبوقة بـ10% عن عام 2023، ما أدى إلى ارتفاع إجمالي الإيرادات 4% عن عام 2023 فلله الحمد والمنه.
ختاما
الخطط الاستشرافية التي تعمل بها السعودية تجعل الوضع الاقتصادي أكثر استقراراً على مستوى العالم مهما تلاطمت الأمواج.