محدودية الموارد في كوكب الأرض «2»

تحدثنا الأسبوع الماضي عن التحديات الكبيرة التي تواجه كوكب الأرض في ظل التوسع السكاني. ورغم أهمية تناول هذه التحديات منفردة إلا أنني سأنتقل لسؤال أساسي: كيف يمكن للبشرية أساسا أن تحقق نموا اقتصاديا مستداما بالمعطيات والحدود البيئية المتوافرة حاليا؟
ويمكننا تصور حجم وضخامة هذا السؤال لو عرفنا مقدار النمو الاقتصادي المتوقع فقط من لحاق الدول الفقيرة بالدول الثرية حتى لو لم تحقق الأخيرة نموا يذكر في المستقبل.
بلغ حجم الاقتصاد العالمي في عام 2014 نحو 91 تريليون دولار ولدينا نحو 7.2 مليار نسمة (عام 2014) ما يجعل الدخل الناتج نحو 12 ألف دولار للفرد. يبلغ متوسط الدخل الفردي في الدول الثرية نحو ثلاثة أضعاف المعدل العالمي في حدود 36 ألف دولار سنويا. ويبلغ متوسط الدخل الفردي للدول المتدنية والمتوسطة الدخل نحو سبعة آلاف دولار، ودعنا نفترض أن الدول الفقيرة لحقت بالدول الثرية فإن هذا اللحاق سيرفع معدل الدخل الفردي العالمي ومعه الناتج الإجمالي العالمي إلى 275 تريليون دولار. الآن لنضف الزيادة السكانية إلى المعادلة (حيث من المتوقع أن يبلغ التعداد 9.6 مليار بحلول 2050 أي زيادة 33 في المائة) الذي يجعل الناتج العالمي الإجمالي 346 تريليون دولار! لاحظ أننا افترضنا أن الدول الثرية تبقى دون نمو اقتصادي ما يبقي الدخل الفردي ثابتا عند 36 ألف دولار، لكن الأرجح هو نمو الدول الثرية اقتصاديا وبالتالي يظهر لنا عاملان: الأول - عدم اكتمال عملية لحاق الدول الفقيرة بالثرية اقتصاديا (بل تتوالى العملية) الثاني- النمو الاقتصادي المتواصل للدول الثرية.
وهنا آلية ما يحدث: كلما كانت الدولة النامية أفقر (بفرض عدم وجود موانع مثبطة للتطوير)، زادت الحاجة إلى اللحاق بالدول المتقدمة. ومع مرور الوقت تضيق الفجوة بين اقتصادات الدول الثرية والدول النامية، وكلما ضاقت فجوة الدخل بين البلدين قل معها معدل نمو الدولة النامية (الصين مثالا). ويتطلب هذا التقارب التدريجي في مستوى المعيشة بين البلدين عدة عقود من التنمية، حيث تبدأ الدولة النامية (الأفقر عادة) بالتطور السريع جدا وعندما تبلغ مرحلة الرخاء (النسبي) وتحقق ثراء أكبر وتصبح أقرب إلى الدولة الثرية الرائدة تكنولوجيا، يبدأ نموها بالتباطؤ ليتقارب مع نظيرتها الثرية (قارن الصين وأمريكا أو كوريا الجنوبية واليابان).
وهذه النظرية تسمى "نظرية التقارب" Convergence Theory وهي تفسر سبب تحقيق الدول النامية معدلات نمو أسرع من الدول ذات الدخل المرتفع، وعلى الأرجح فإن عملية التقارب في مستوى الدخل لن تتحقق حتى بحلول 2050 ولأن هناك معطيات لا تظهر على مستوى الدولة الواحدة ودائما يوجد مورد غير مستغل للنسبة القصوى مثل احتياطيات الوقود الأحفوري أو مياه باطنية في مواقع جديدة أو رقعة أرضية غير مأهولة سيظل كوكب الأرض يمتص توسع البشرية وامتدادها.
خلاصة الموضوع كما يذكرها البروفيسور ساكس أنه لو استمر هذا النمو الاقتصادي باستخدام التقنية المتطورة والنماذج التجارية الحالية فإن الإنسانية ستواجه "انفجارا" محتوما قد يؤدي إلى تخريب التوازن المناخي وكمية المياه العذبة والإضرار بمستوى حمضية المحيطات ناهيك عن بقاء الكائنات الحية وذلك إلى أن يحدث الله أمرا.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي