النجاح بالفشل
.. المستقبل طريق جميل سيأخذنا إلى ما نريده نحن، فتزداد الرحلة تحمسا وتطلعا واستكشافا وجمالا.
إذا بدأنا اليوم بالسير بعيدا عن القلق تقلنا عربات العزم المضيء نحو الثقة والسكينة والعمل الجاد، تاركين وراءنا الجدل المعطل والصراع بأنواعه، الذي يعكس اتجاه السير إلى الخلف والانتكاس؛ فلن يكون أمامنا - بإذن الله - إلا بشائر إشعاعات الحلول لمشكلات الحاضر؛ كي تفسح الطريق لحلول وعود المستقبل، الذي نريده لعيش أفضل، وكرامة أعز، وقدرات أوسع.
في الطريق للمستقبل زادنا الأول الإيمان والثقة بأن الله معنا ولن يتركنا، ونحن نعمل بجهد لزيادة علومنا، وبذل آخر قطرة من نبع جهودنا، ثم عدم الاستسلام لليأس والإحباط، الذي من الطبيعي أن يعترضا طريق الغد المشرق. المواصلون لطريق الغد يعرفون أنهم لا بد أن يزيلوا صخور وعوائق الطريق، كما يعرفون ويقبلون على أنفسهم أن الأثمان التي تدفع نتيجة ذلك ليست رخيصة، لكن الوصول إلى أماكن الوعد والأمل لا يقدر بكل الأثمان.
المستقبل توقعات من الطموح والهمة ليست موجودة بعد، والحاضر دوما الطريق للمستقبل، الآن من موقعنا في هذه اللحظة لا بد أن نثق بأن حاضرنا مملوء بزاد كاف لرحلة الطريق للغد، إن لم يكن زادنا كافيا فلا بد من مراجعة مقدار قوة حاضرنا وصلابته كي نصل.. لأي شيء.
على أن الوقت لا يفوت، وبدء ملء زوادة الحاضر يبدأ الآن، إن أردنا مستقبلا واعدا الآن. وهنا نعرف أن طريق المستقبل الجميل، نصنعه نحن بأنفسنا لأنفسنا، فهو لا ينتظرنا في مربع زمني، نحن الذين علينا أن نعمل بكد وجد وعلم وبحث وذكاء؛ ليكون لمستقبلنا مكان في مرابع الزمن.
ومن مطالعة تاريخ الإنجاز البشري أفرادا وجماعات؛ نجد دوما أن هناك حقيقة تتكرر في كل عصر في كل ظرف وعند كل جنس، وهو أن أولئك الذين يرفضون قبول الأقل، إصرارا للوصول إلى الأفضل.. دوما يصلون إليه، يصلون للأفضل.
في مكاننا الحاضر شباك ومصائد للإخفاق خلقها النجاح بالفشل. ذاك الفشل الذي يعوق انعتاق الأمة وصعودها للمراتب الأرقى. النجاح في الفساد، النجاح في الجدل المسمم لأوردة المجتمع، النجاح في التواكل والكسل والتذمر والشكوى، كلها نجاحات أنموذجية للإخفاق والقعود في وحل التأخر ونذر طرق الظلام. علينا أن نحرر أنفسنا. لو قلة منا وليس كلنا نجحوا في نفض كل تلك الغلال بعزيمة صلبة واحدة؛ لتحررت قوة كبيرة لتلك الفئة القليلة؛ لتقلع بباقي فئات الأمة نحو آفاق أرحب وأصلح لنا ولأجيالنا من بعدنا.
وسنسأل أنفسنا هذا السؤال:
هل لدينا القدرة والعدة لطريق الغد الساطع؟
بعد تأمل عميق تصفو به عقولنا، وتؤمن به قلوبنا سنصل لإجابة ليست بدعا علينا، وإنما توصلت إليها من قبل كل حضارة حققت المجد والسؤدد، وهي:
أولا: عدتنا؛ أن نتوقف تماما عن التطلع خلفا وجانبا ويكون تطلعنا فقط للأمام.
ثانيا: قدرتنا؛ أن نعمل بهمة كل ما نستطيع الآن، ومن أي مكان الآن، وبما نملك الآن.. ليس أكثر.
أما الوعد الذي علينا لطريق المستقبل:
فإنه يجب علينا أن نعمل، لما نؤمن بأنه حق وعدل ومصير وكرامة ورفعة.. وأن لا خيار آخر!