جرائم المستقبل (2)
على مر الـ 25 سنة الماضية حدثت تغيرات كبيرة في طبيعة الجرائم الإلكترونية، ففي الفترة المبكرة من ظهور الكمبيوتر الشخصي كان "الهاكر" يمارس القرصنة بدافع المزح (أو التسلية). أو ربما ليثبت لنفسه (أو لغيره) أنه قادر على اختراق الأجهزة.
ومن أشهر وأول الفيروسات الإلكترونية التي أصابت كمبيوترات IBM كانت تلك التي أطلقها الأخوان أمجد (24 عاما) وباسط فاروق ( 17 عاما) حيث إن الفيروس كان يهدف إلى حماية البرامج التي قام الأخوان بكتابتها وتطويرها في عدة سنوات.
ورغم أن سبب إطلاق الفيروس كان منطقيا بالنسبة للأخوين إلا أنهما لم يكونا يتصوران أن الفيروس لديه القدرة على نسخ نفسه والانتشار من خلال الديسك Floppy Disc الذي ينتقل بين الأجهزة وسرعان ما انتقل الفيروس إلى باقي العالم!
بمرور الوقت بات أغلبية "الهاكرز" (القراصنة) على درجة عالية من الطموح – والخبث والشر كذلك. ومع زيادة الترابط الشبكي الرقمي لم تعد الفيروسات بحاجة إلى الانتقال عبر الديسك بل عبر خطوط الهاتف (عند بداية انتشار الإنترنت عبر الاتصال الهاتفي VOIP) وكانت لها القدرة على اختراق منصة Windows وتدمير الملفات بأنواعها.
ويعلم صانعو الفيروسات اليوم أن عامة مستخدمي الكمبيوتر والأجهزة الذكية أصبحوا يتجنبون فتح الملفات خوفا من الوقوع في فخ القرصنة، لذا طور "الهاكرز" أساليبهم بحيث تمكنت الفيروسات من قراءة لغات البرمجة مثل Java و ActiveX وهما اللغتان الأكثر شيوعا لمنصات التصفح مثل Internet Explorer وغيرهما.
ماذا عن برامج حماية الأنظمة؟
وفقا لإحصائية من Gartner group بلغ الإنفاق على برامج الحماية 20 مليار دولار في عام 2012 ومن المتوقع أن يرتفع هذا المبلغ إلى نحو 94 مليارا سنويا بحلول 2017، ويستخدم عامة الناس برامج الحماية مثل نورتون Norton أو McAfee. وفي عام 2012 قررت مجموعة من الباحثين في كاليفورنيا وإسرائيل عمل تجربة على عينة من برامج الحماية وقاموا بإطلاق 82 نوعا من الفيروسات الإلكترونية على أنظمة كشف المخاطر لأضخم شركات تصنيع برامج الحماية ومنها McAfee, Symantec, Microsoft Kaspersky وكانت النتيجة مذهلة: تمكنت البرامج (العملاقة كما يسوق لها) في الفحص الأولي من كشف 5 في المائة فقط من المخاطر التي تستهدف الكمبيوتر والأجهزة المحمولة! لدرجة – كما يصفها الكاتب - أنه لو كان نظام المناعة البشري يعمل بقوة 5 في المائة لقضت على البشرية في ظرف ساعات قليلة.
بالنسبة لحدود الاختراقات والقرصنة فهي في ازدياد سنوي مقلق لأن المقدرة على اكتشاف الفيروسات بنسبة 5 في المائة تنطبق أيضا على أنظمة الشركات الكبرى والمنظمات العالمية والحكومات كذلك. فمثلا في عام 2013 صدر تقرير بأن معظم شركات الأعمال غير قادرة على كشف الهاكر الذي يخترق أنظمتها المعلوماتية مباشرة. ووفقا لاستبيان بارز قامت به شركة الاتصالات Verizon مع المخابرات الأمريكية تبين أن الزمن اللازم لاكتشاف الاختراق في 62 في المائة من إجمالي الحالات شهران على الأقل! والمشكلة ستتضاعف بشكل فلكي مع انتشار تقنيات الروبوت والذكاء الاصطناعي وعلوم الجينات وتقنية النانو وغيرها، ولو لم يكثف الخبراء جهودهم في المقاومة والتحسب لهذه المخاطر ستكون العواقب أكثر بكثير مما يمكن تداركه.