إن طرتم طرنا .. إن ربضتم ربضنا
.. جاء الوقت يا شباب، فتياتٍ وفتيانا لأحدثكم عن قضية الإيمان. لا، لن أخوض تنظيريا في معنى الإيمان، ولا أنتم بحاجة إلى ذلك، ربما تعرفون أكثر مني حتى.
أحدثكم اليوم يا أولادنا ويا بناتنا عن الإيمان كمنصة ثبات وانطلاق. الإيمان الذي يجب أن يكون بوجدان كل منكم في الظروف العصية.
أصارحكم من الآن لن تكون الأمور سهلة، ستكون أصعب، وأنتم وأهلكم تشعرون بذلك، وهذا ليس بيد أحد، إنها مقتضيات الحياة. وما دامت من مقتضيات الحياة، فأول ما سنعرفه ونحن على منصة الإيمان هو أن نؤمن أن ما يحصل لنا من ظروف صعبة هو من موجات التاريخ الطبيعي والمتكرر مع كل الأمم، وخرجت كثير من الأمم قوية بعد الحروب والظروف الصعبة. لم تكن أمريكا بعظمتها وافتخارها شيئا يذكر قبل الحرب العالمية الأولى، ثم بزغت بقوة بعدها، ولم تكن تتحكم بالعالم قبل الحرب الثانية، كانت المملكة المتحدة هي التي لها الدور الأكبر، وعاثت فسادا بحدود الأمم. بعد الحرب خرجت أمريكا دولة تحكم العالم تقريبا بلا منافس حقيقي، حتى أيام الاتحاد السوفييتي كانت أمريكا تتحكم بالجزء الأهم من العالم.
آمنت اليابان بقوتها الذاتية. اليابان أرخبيل ضيق بشكل هلالٍ صغير في البحر العظيم، وكادت تنطمر بعد أقوى قنبلتين في التاريخ محتا مدينتين كاملتين، ثم بزغت كأزهى وأرقى حضارة صناعية ابتكارية، وتفوقت على أوروبا ووصلت لعنق أمريكا. إنه الإيمان بقدرة ذاتية، وأقول لكم ليس هناك أمة مثل اليابان على وجه الأرض تعرضت وتتعرض لأقسى الصعاب والعقاب، بلاد جبلية محصورة مزدحمة بلا موارد أرضية، بلا موقع استراتيجي، فوقها كوريا والصين بوضع أفضل، والفلبين من الغرب تمسك قلب حزام الهادي. فوق أن الأرض التي عليها تكاد تنفر منها وتتخلص منها وترميها بقاع المحيط من الزلازل المتكررة، والتسونامي البحري الوحشي. ومع ذلك تقف اليابان فخورة بشيء مهم؛ بعقول البناة المبتكرين.
إذن، ثانيا، أمام هذه الصعاب أمامكم هي فرصة من ذهب أن تؤمنوا أن الطريق فُتحَ أمامكم الآن لتبتكروا، وأن تطلقوا عقولكم حرة لا يأسرها كسل المخدومية، ولا يرهقها التواكل على أي كتف، مهما كبر هذا الكتف. أخوكم الصغير بالأمس "عبدالجبار الحمود" تعدى إنجازه أي عقل بعمره أكان يابانيا أم أمريكيا في علم النبات، تصوروا؟ وهو ما زال يحبو في مدرجات الجامعة، ويذهل الدنيا، فيجلس مع كبار العلماء في احتفال جائزة نوبل، وتكرمه وكالة الفضاء الأمريكية بإطلاق اسمه على كوكب جديد. أيُعقَل؟ نعم، وكلكم تعلمون عنه. وابننا عبدالجبار يقول: "يجب أن نثبت أن جيلنا هذا بإمكانه التفوق على غيرنا".
أرجوكم أن تقرأوا وسم #قائمة_نسرين على«تويتر»، وستجدون أن القائمة قدمت عشرات من المتفوقين السعوديين والسعوديات، منهم من دُعي للبرلمان البريطاني العريق، ومنهم من منحته سكوتلندا أرضا وطلبت منه تقديم برنامج تلفزيوني ليستفيد العلماء من عبقريته، ومنهم من هو مع طاقم تدريس في واحدة من أهم جامعات العالم أوكسفورد.. وما زال مبتعثا.
أؤمن قطعا بكم. أؤمن أننا نملك ثروة أهم من النفط وغيره، وهبنا الله تعالى معجزته الاستثنائية؛ العقل. إذن لا بد أن تؤمنوا أنه بعقولكم لم يترككم الله عُزّلا بهذه الحياة.
عليكم أن تؤمنوا أنه الآن انفتحت لكم الفرص الكبرى لتثبتوا ما نصدقه كل الصدق، أن عقولكم ستحلق بكم للسماء، فوق أي أحد.. وأنه يمكنكم ذلك.
أؤمن أن الثروة التي لا تنتهي، وكانت معنا ولم ننتبه لها كل الانتباه، هي عقولكم.. كما أؤمن أنكم عندما تحلقون للسماء، ستأخذون كل الأمة معكم.. لفوق.