هي وهو والمال «1»

في العقود السابقة، كانت المرأة السعودية الموظفة غير مطلوبة للزواج، حيث كان الخاطب يحتم أن يتقدم لامرأة غير عاملة. وبعد عدة سنوات اقتصر الزواج على الموظفات في مهن تقليدية مثل التعليم أو الإداريات في منشآت نسائية فقط. كانت مهنة الطبيبة والممرضة معروفة أنها للعازبات لأن طريقها طويل وفيها اختلاط وما إلى ذلك من أعذار.
اليوم في القرن الـ 21 اختلفت الأمور وتبدل وضع المرأة من ربة منزل "فقط" إلى موظفة ومهنية في مختلف القطاعات وأصبحت تجني أموالا وتعول أسرا وتسهم في كسر نمطية الدور السابق لها.
في السنوات العشر الأخيرة أصبح التمكين المالي للمرأة من أهم سمات العصر وأصبح التعليم العالي والخبرة المهنية يؤتيان ثمارهما فانتقلت المرأة تدريجيا من وضعية "معال" إلى وضعية معيل مستقل في كثير من الأحيان، ما أدى بدوره إلى ظواهر مجتمعية أخرى سنناقشها في مقال لاحق. اليوم سنتحدث عن المرأة التي تجني أكثر من شريك حياتها.
بالنسبة للمرأة فإن تغير ميزانها الاقتصادي والمالي يجلب معه خيارات جديدة مثل القدرة الإنفاقية والتجارب الحياتية الأخرى مثل السفر والتعليم والتواصل مع أناس جدد ناهيك عن تلبية احتياجاتها المادية والشرائية. لكن إضافة إلى ذلك فإن تغير قدرتها المالية قد يؤدي "في الأغلب" إلى إعادة تقييمها للعلاقة مع شريكها. فالعلاقة بين الرجل والمرأة ـــ خاصة في المجتمعات العربية ـــ قائمة على المعيل الذكر في الأسرة وبالتالي فإن قلب المعادلة يوجد اضطرابا نفسيا للطرفين، فالرجل سيشعر أن موقفه كرب أسرة في تراجع وانكماش، من ناحية أخرى ستشعر المرأة بهذا الضمور وقد تبدأ مشاعرها بالتغير تجاهه.
وفقا لتقرير جاء في مجلة "نيويورك" Ny Magazine تقول "آنا" (مسؤولة تنفيذية) إنها شهدت العلاقة بينها وبين زوجها ـــ وهو مصمم برامج رقمية ـــ تضمحل تدريجيا كلما ازدهر مسارها المهني، حيث إنها جنت في عام ما يقارب 270 ألف دولار، بينما لم يجن هو سوى 16 ألفا فقط. في الوقت نفسه لم تستطع "آنا" مواجهته بالواقع فكان الحل هو التباعد التدريجي فأصبح كل منهما يعتمد على دخله الشخصي وأصبح زوجها حساسا وعنيدا ولا يعترف بالخلل فأصبح ينفق أكثر من استطاعته ليجاري مستواها الإنفاقي. وتعترف الموظفة أن هذه المشاكل كانت تختبئ أثناء النهار تحت ساعات العمل، حيث كلاهما مشغولان لكنها كانت تطالعهما فيما تبقى من اليوم.
هذا لا يعني أن هناك استثناءات وعلاقات زوجية ناجحة رغم التباين المالي بين الطرفين. فالعلاقات التي يسودها الإنفاق المسبق والتفاهم التام من عدة نواح هي العلاقات الناجحة في الأغلب. والحقيقة أنه لا توجد معادلة مطلقة تنطبق على جميع العلاقات الزوجية فلكل حالة ظروفها، لذا فأنا لا أؤيد الرأي المطلق أن المرأة يجب أن تظل الطرف المعال وزوجها (أو أبوها أو أخوها) هو الطرف المعيل، فالتعاون هو الحل الأنسب للأسرة المتوسطة الدخل. إن تغير الظروف الاقتصادية أعاد تشكيل الهيكل الأسري والمجتمعي بشكل عام ومن باب الحاجة إلى العمل والإنتاج والكسب انطلقت المرأة إلى سوق العمل خارج المنزل ما نتج عنه بعض السلبيات في أحيان قليلة وعديد من الإيجابيات في أغلب الأحوال. كذلك أرى أنه من المستحيل أن تعيش الأسرة بشكل سعيد عندما تحاصرها الديون والمصاريف من كل جانب وتدخل المعاناة الشديدة في حياة الرجل والمرأة والأبناء في آن معا.
وللمقال تتمة.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي