عقوبات رادعة للمتاجرين بالبشر

تعتبر جريمة الاتجار بالبشر من أخطر الجرائم التي اتفق المجتمع الدولي على تكثيف الجهود لرفضها، والعمل على إيقافها بكل الطرق الممكنة، سواء من ناحية إصدار القوانين واللوائح أو من ناحية تنفيذ حملات تفتيشية تستهدف منع أي نشاط يؤدي إلى الاتجار بالبشر، وقد كانت المملكة من أوليات الدول التي بادرت إلى التجاوب مع توجه المجتمع الدولي في هذا المجال.
لقد أكدت المملكة موقفها الثابت والرافض لجميع أشكال الاتجار بالبشر تحت أي ذريعة، حيث وقعت المملكة على المواثيق والمعاهدات الدولية الرامية إلى ذلك، وقد أوضح ذلك نائب مندوب المملكة الدائم لدى الأمم المتحدة في الاجتماع المخصص لمناقشة جريمة الاتجار بالبشر التي باتت من الأنشطة المدانة في جميع أنحاء العالم، وهي تشكل انتهاكا جسيما لحقوق الإنسان وأغلبية ضحاياها النساء والفتيات والأطفال.
لقد حفظت الأديان السماوية كرامة الإنسان وأسست مبدأ المساواة بين الناس جميعا في قيمتهم الإنسانية، وفي ظل تلك الشرائع السماوية جاءت جميع القوانين والأعراف لتحث على العمل المشروع، ومنعت أن يكون الإنسان في بدنه أو كرامته محلا للكسب والاتجار. إن ما يحدث من أفعال تجرمها القوانين من الاتجار بالبشر ظاهرة لا يمكن تجاوزها، فهناك إحصائيات تضمنتها التقارير الصادرة من منظمات دولية حول إجبار الأطفال على الأعمال القسرية وتجنيدهم في النزاعات المسلحة والمتاجرة بالعمال وأعمال السُّخرة وتجارة الجنس والدعارة، وغيرها من الصور التي سادت في بعض مناطق العالم، واعتبرت أنشطة تمارسها أطراف متعددة وذات مصالح متداخلة تسهم في استمرار هذه الظاهرة، التي قبل أن تكون تجارة محرمة فهي مسألة ماسة بالكرامة الإنسانية.
إن نظام مكافحة جرائم الاتجار بالبشر يحظر الاتجار بأي شخص وبأي شكل من الأشكال بما في ذلك إكراهه أو تهديده أو الاحتيال عليه أو خداعه أو خطفه أو استغلال الوظيفة أو النفوذ أو إساءة استعمال سلطة ما عليه أو استغلال ضعفه، أو إعطاء مبالغ مالية أو مزايا أو تلقيها لنيل موافقة شخص له سيطرة على آخر من أجل الاعتداء الجنسي أو العمل أو الخدمة قسرا أو التسول أو الاسترقاق أو الممارسات الشبيهة بالرق أو الاستعباد أو نزع الأعضاء أو إجراء تجارب طبية عليه.
إن النظام يعاقب كل من ارتكب جريمة الاتجار بالأشخاص بالسجن مدة لا تزيد على 15 عاما أو بغرامة لا تزيد على مليون ريال أو بهما معا، وتشدد العقوبات المنصوص عليها في هذا النظام في حالة إذا ارتكبت ضد امرأة أو أحد من ذوي الاحتياجات الخاصة، أو إذا ارتكبت ضد طفل حتى لو لم يكن الجاني عالما بكون المجني عليه طفلا، أو إذا كان مرتكبها زوجا للمجني عليه أو أحد أصوله أو فروعه أو وليه أو كانت له سلطة عليه، أو إذا كان مرتكبها موظفا من موظفي إنفاذ الأنظمة.
إن دول مجلس التعاون الخليجي تعتمد في إدارة عجلة اقتصادها على الاستقدام من دول عدة لديها عمالة قادرة على القيام بالأعمال التي تتطلبها سوق العمل السعودية والخليجية عموما، هذا احتياج لا يمكن إنكاره وهو مطلب أساس لعمل عديد من المنشآت في القطاع الخاص، وهو أيضا مصدر دخل لاقتصادات تلك الدول، وإذا كانت ظاهرة الاتجار بالأشخاص قد فرضت إصدار قوانين محلية فإنه لا يصح تناسي موقف الدين الإسلامي من تحريم استغلال الإنسان أو ممارسة الأعمال غير الأخلاقية، حيث لا يخفى موقف أحكام الشريعة الإسلامية الصارمة من تحريم كل عمل يتعارض مع الأخلاق والقيم، وهو منهج سارت عليه المجتمعات الإسلامية والتزمت به المملكة حكومة وشعبا.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي