تكامل إنشاء المحاكم الجزائية

منذ أن استقلت المحاكم الجزائية عن المحاكم العامة وألحقت بها الدوائر الجزائية من ديوان المظالم نستطيع أن نقول إن ترتيب المحاكم الجزائية قد تكامل على النحو المنصوص عليه في الترتيبات القضائية وجاء محققا الهدف من إنشاء المحاكم المتخصّصة التي جرى الترتيب لها بشكل متميز واعتمدت لها ميزانية ضخمة بمسمى مشروع خادم الحرمين الشريفين لتطوير القضاء.
وتشير الإحصائيات الرسمية لوزارة العدل إلى أن عدد القضايا المنتهية في المحاكم الجزائية كحقوق خاصة بلغت 4400 قضية، بنسبة نحو 22 في المائة من إجمالي القضايا المنظورة، وبلغ عدد الحدود للحقوق العامة التي بتت فيها على أشخاص 3003 قضايا، و159 حدا في حقوق خاصة، فيما بلغ عدد قضايا التعزير للحقوق العامة نحو 12777 قضية، و4136 تعزيرا في حقوق خاصة خلال الفترة نفسها من العام الحالي.
لقد حقق القضاء السعودي قفزات واقعية ملموسة سواء في إنشاء محاكم متخصصة في مختلف أنواع المنازعات والخلافات، أو في التوسع في تعيين القضاة وترقيتهم وتطوير أدائهم بالتدريب، ومتابعة آخر مستجدات علم الحقوق من النواحي التنظيمية، ولذا فقد أنشأت وزارة العدل مركزا للتدريب، إضافة إلى التوسع في تصالح الخصوم، وإحالتهم إلى التحكيم متى رغبت الأطراف في ذلك، ولعل إنشاء المحاكم الجزائية وفصلها عن المحاكم العامة، ثم إنشاء محاكم الأحوال الشخصية، والبدء في فصل القضاء التجاري في محاكم مستقلة ستكون تحت مسمى المحاكم التجارية، وستضم لها الدوائر التجارية في ديوان المظالم بكامل كوادرها واختصاصها وآليات عملها، وهي قفزة ستخدم القطاع الخاص والشركات ورجال الأعمال في مختلف القطاعات.
والحقيقة الثابتة أيضا أن قضاء المملكة العادل والمنصف مفخرة للمملكة التي لا تفرق قوانينها وأنظمتها بين مواطن ومقيم، وبين قوي وضعيف، فليس هناك محاكم للوجهاء، فالكل يخضع لسلطة واحدة تحميها الدولة وتعمل جاهدة على أن تكون في مستوى طموحات الدولة والمجتمع، وأن تكون سلطة قضائية مواكبة للمستجدات التنظيمية والتقنية والإدارية، وأن تتطور في جميع المجالات، وأن تواكب متغيرات الواقع، دون إخلال بالثوابت التي هي جزء من الشريعة والأنظمة المرعية في البلاد، التي تعد في قلب المنظومة التشريعية والقضائية، وتعكس خصوصية القضاء السعودي، وتميزه بتطبيق الشريعة وتحقيق مقاصدها وغاياتها التي هي من الأسس المعتبرة.
إن مرفق العدالة الجنائي ممثلا في المحاكم الجزائية ودوائرها الاستئنافية والادعاء العام يتميز بالضمانات الفعلية للمتهم في جميع مراحل الدعوى الجزائية، ومنها مرحلة التحقيق ثم مرحلة الادعاء العام، وأخيرا مرحلة المحاكم الجزائية، ويشهد الواقع أن كثيرا من الأحكام يخضع لنظام آخر هو العفو العام متى توافرت شروطه، وفي أنواع من القضايا الجنائية، بل إن منهج العفو عن الحق العام تميزت به المملكة، وهو نوع من إصلاح الجاني، فالعقاب ليس هدفا بقدر ما هو وسيلة لإصلاح الجاني ومنع غيره من الوقوع في الجريمة، في حين يبقى الحق الخاص محل حماية لصاحبه، وتضمن الدولة نفاذه، ما لم يتنازل عنه صاحبه طوعا واختيارا.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي