تحديات مستقبلية .. ذوبان القطب وانتشار «الدرونز»
يواجه العالم تحديات أمنية مستقبلية، تتنوع أسبابها وتختلف مكوناتها، ولكنها بالتأكيد امتداد للتطور البشري والبيئي والتقني المتسارع في عالم اليوم، ولعله من الأهمية بمكان تسليط الضوء على تحديين مهمين أمام صناع السياسات، في كيفية فهم تلك الظواهر والتعامل معها من أجل الحفاظ على الأمن والاستقرار الوطني والإقليمي والدولي.
تتمثل الظاهرة الأولى في ظاهرة ذوبان الجليد في القطب الشمالي وبداية المحاولات الملاحية فيه، التي يتوقع لها أن تتم خلال بضع سنوات مقبلة. تلك الظاهرة المناخية البيئية مهمة جدا وذلك لكونها تؤثر في كل من البيئة والطبيعة العالمية والاتصالات والاقتصاد وكذلك الهيمنة.
تسعى ست دول رئيسة للهيمنة والسيطرة على تلك المنطقة، لما تحمل من أهمية في الاقتصاد، حيث توافر المياه العذبة، وكذلك في الملاحة البحرية، وفي مجالات النفوذ والتنافس بين كل من الولايات المتحدة وروسيا والسويد والدنمارك وأيضا فنلندا.
وقد بدأت فعلا تلك الدول أو بعضها تشجيع الأبحاث ورحلات الاستكشاف، في محاولة لفهم تلك المنطقة بشكل أكبر ومن ثم، معرفة كيفية استغلالها واستثمارها لمصلحتها.
من جهة مناخية أخرى، فإن القطب المتجمد الجنوبي، في ازدياد مطرد، وهذا تغير عالمي آخر في المناخ، وقد تعلل بعض التغيرات المناخية التي تشهدها المملكة في زيادة الأمطار، في تلك المناطق التي لم تشهد أمطارا من ذي قبل، وكذلك التغيرات الأخرى مثل العواصف الرملية والتغيرات المناخية في المد والجزر.
إن السيطرة على القطب المتجمد الشمالي تعني سيطرة كذلك على مجال من مجالات الاتصالات العالمية، والملاحة البحرية المهمة ولا سيما بين أو ضمن الدول المطلة على تلك المنطقة، وكذلك تعني ثروات مهمة ولا سيما ثروة المياه العذبة التي تعتبر أحد التحديات المستقبلية التي تحدث عنها أحد الأفلام الوثائقية تحت عنوان "حروب المياه".
أحد سيناريوهات تطور الأوضاع والسباق على الهيمنة في تلك المنطقة، هو نشوب حرب، وهذا ينذر بالخطر لأن هنالك طرفين من الدول المطلة هما دولتان نوويتان وبالتالي ـــ لا سمح الله ـــ في حال نشوب حرب وتطورها إلى حرب نووية، قد ينذر بكارثة طبيعية وبيئية وإنسانية.
السيناريو المرجح هو سيناريو التقارب والتقاسم عبر معاهدات تبين مسارات الملاحة وتحددها، وتقسم كذلك الاستفادة الاقتصادية والسياسية من تلك المنطقة المهمة، ومع أنه في دول الخليج نبعد كثيرا عن تلك المناطق، إلا أنه من المهم، دراسة مثل تلك العوامل لمعرفة العناصر التي قد تهدد الأمن الوطني بصورة غير مباشرة، وكذلك معرفة المهددات الأمنية للدول الكبرى.
تجدر الإشارة كذلك إلى تحد دولي وهو الزيادة المطردة في استخدام الدرونز "الطائرات ذات التحكم" بأحجام مختلفة وأشكال مختلفة، وقدرات على التحليق والسرعة، والنقل، والتصوير.
وبالتالي نحن أمام تحديات أمنية تتعلق بانتهاك الخصوصية في شقيه الشخصي، وكذلك المؤسساتي، فلك أن تتخيل أن تكون في بيتك، وتشاهد طائرة تقوم بتصويرك بشكل مباشر، ويمكن تطبيق الأمر نفسه على تصوير الأماكن العسكرية أو غير المسموح بتصويرها.
تمتلك أيضا بعض تلك الطائرات إمكانات "التحميل" التحليق بحمولة، وقد تستخدم كذلك من قبل مروجي المخدرات لتجاوز نقاط التفتيش والهبوط بها بين الحدود أو الأسلاك الشائكة. من المهم الإشارة هنا إلى أن كثيرا من أنماط تلك الطائرات لا تلتقطها الرادارات.
أما التحدي الآخر وهي ظاهرة انتشرت ولا سيما في الولايات المتحدة هي التحليق بتلك الطائرات أمام طائرات نقل الركاب وهنا خطر أمني كبير في حال ـــ لا سمح الله ـــ اصطدامها بنافذة قائد الطائرة، أو دخولها في محرك الطائرة.
من الحوادث المثيرة كذلك هي خطف الدرونز، قامت الولايات المتحدة بإرسال درونز إلى بعض المناطق في إيران، وقد قامت إيران باختراق القمر الصناعي الذي يتحكم في تلك الطائرة ومن ثم إنزال تلك الطائرة سالمة إلى الأراضي الإيرانية.
كل تلك المؤشرات تدل على أن التقنية تؤثر في مفهومنا للأمن والخطر، وتحتاج، مع تلك التغيرات، إلى تكيف من ناحية السياسات للتعامل معها، وكذلك إلى دفع العلوم والجامعات ومراكز الأبحاث للاستثمار في المجال التقني حتى نكون مساهمين فيه لا مستهلكين بردود أفعال تمنع كل ما هو جديد بل يجب التفاعل معه، عن طريق الجوائز البحثية المتخصصة، حتى نكون في مجال التفاعل والتنافس، وليس مجال الابتعاد والأمننة السلبية.
وبالله التوفيق،،،،