المزادات العقارية بين التضليل والاحترافية
تعد المزادات بشكل عام والمزادات العقارية بشكل خاص إحدى طرق التسويق التي توارثتها الأجيال, حيث تعتمد هذه الطرق على حشد أكبر عدد من المهتمين بسلعة أو سلع معينة وذلك للمزايدة عليها والحصول على أفضل صفقة ممكنة للبائع والمشتري, لكن الحال ليس كذلك دائما، فالوقت المحدود الذي يجب أن يلتزم به العارض للسلعة يجعل إمكانية عرضها لفترة كافية على المشترين المحتملين أمرا مستحيلا, ولذلك فالمزادات حل سريع للتخلص من السلعة لكن قد يكون مناسبا وفقا لظروف المزاد, وقد أوضحت الدراسات أن ثمن البيع في المزادات العلنية في بعض الأحيان قد يكون أعلى من القيمة السوقية وذلك بسبب التأثر بالمحيط لا سيما إذا كانت المظاهر والمؤثرات الخارجية والمنافسة محتدمة بين ندين أو أكثر على سلعة معينة, وكذلك الحال عندما تكون طريقة التسويق فيها نوع من الإثارة, فقد قام مجموعة من الباحثين بدراسة سلوك المشترين في مزاد علني لعمارة سكنية في الولايات المتحدة تحوي عديدا من الشقق ذات المواصفات والمساحات المختلفة, وقد كان الاتفاق مع الحاضرين أن المزايدة لن تتم على شقة محددة بل من يرسو عليه المزاد يمكن أن يحصل على أي شقة يرغبها في طول العمارة وعرضها, وهكذا استمر المزاد حتى بيعت جميع الشقق, وبهذا المبدأ جعل القائمون على المزاد عشرة أو 20 شخصا يتنافسون على خمس شقق مختلفة تماما وهم لا يعلمون عنها, وكانت النتيجة المثيرة أن الشقق التي بيعت أولا زاد ثمنها عن القيمة السوقية بحدود 10 في المائة بينما التي بيعت في آخر المزاد نقص ثمنها عن القيمة السوقية بمقدار 12 في المائة.
في السوق العقاري السعودي كانت المزادات وما زالت طريقة مهمة لجذب الانتباه والتسويق للمنتجات العقارية لا سيما الأراضي المطورة, سواء في وقت انتعاش السوق أو ركوده، ففي الحالة الأولى يؤدي صخب المزاد إلى لفت الانتباه لهذا المخطط أو ذاك ليكون مجالا خصبا للمضاربة مستقبلا, لتنتقل الأرض الكبيرة المطورة من يدي مالكيها الذين طوروها بمساهمة بعض التجار إلى يدي تجار المضاربة بالأراضي واكتنازها، ثم بيع هذه البلكات على مدى زمني بعيد وتجزئة ما يمكن إلى قطع أصغر لبيعها بسعر أعلى ومحاولة ترسية أسعار جديدة في ذلك المخطط في كل فترة زمنية, حتى ترتفع الأسعار شيئا فشيئا مقابل شح المعروض, وهذه الممارسة المضرة هي ما كنا نأمل أن يقضي عليها تطبيق المراحل من الثانية إلى الرابعة من نظام رسوم الأراضي البيضاء, ولذلك كانت المطالبات بتفعيل النظام وسرعة الانتقال لإنهاء هذه الممارسات المضرة بالراغبين في السكن, أما المزادات وقت الركود، فهي محاولة حشد أكبر عدد ممكن من المشترين المحتملين وتسييل أكثر الأصول لمحاولة إخراج صغار المساهمين وقد يحول بعض كبار المساهمين قيمة مساهماتهم في الأرض الخام إلى بلكات وقطع أراضٍ مطورة وقد يبادرون في بداية المساهمة إلى ترسية سعر معين للمتر المربع ليكون من الصعب النزول عنه مستقبلا, وهذه إحدى الخدع التي قد توجد في المزادات العقارية، فالواقع أن المشتري ليس إلا مالكا لكنه حول أسهمه المشاعة إلى أراضٍ معينة, وقد يستطيع بيع بقية أسهمه للحصول على السيولة اللازمة بأرباح أكبر بكثير مما كان مخططا له, وهناك عديد من الوسائل المخادعة في هذا المجال التي جاءت الشريعة الإسلامية بتحريمها مثل النجش الذي عرفه الحافظ ابن حجر بأنه "الزيادة في ثمن السلعة ممن لا يريد شراءها ليقع غيره فيها، وقد سمي تناجشا؛ لأن الناجش يثير الرغبة في السلعة، ويقع ذلك بالتواطؤ مع البائع فيشتركان في الإثم".
الخلاصة, اعتنت الدول المتقدمة بضبط المزادات العقارية ووضعت الأنظمة والتأهيل اللازم لمن يعمل على إقامة المزادات, خاصة تلكم المزادات التي تنفذ من قبل محاكم التنفيذ التي تحتوي على حقوق لأيتام وقصر وأرامل, ولذلك لا بد من الجهات المعنية مثل وزارة العدل ومجلس القضاء الأعلى التي تعد من أهم الجهات التي لديها عديد من المزادات العقارية, أن تعتني بنوعية وجودة مقدمي خدمات المزاد, ومن المهم أن تضبط وزارة التجارة نشاط المزادات وتصريحها لمن يملك المؤهل, وأن تعتني هيئة العقار والمعهد العقاري السعودي بتزويد السوق العقارية بالكوادر البشرية المؤهلة في مجال وساطة العقار ومجال المزادات العقارية التي يوجد لها ممارسات عالمية وتأهيل متخصص في كل نوع من الأصول ومنها العقارية, ففي أمريكا مثلا تقدم الجمعية الوطنية لمنظمي المزادات شهادات معتمدة مهنيا في مجال المزادات العقارية وتعد شرطا من شروط فتح نشاط المزادات العقارية للوسيط العقاري, ولذلك من الضروري أن تنتهي فوضى المزادات الاجتهادية التي تدار بشكل غير محترف بسبب ضعف التنظيم وعدم تأهيل الكوادر البشرية المتخصصة التي تعطي لهذا المجال المهم حقه لأن كثيرا من حقوق العباد تتعلق به, وكذلك لا بد من إيجاد آليات للرقابة على المزادات والتأكد من أنها خالية من أي خداع أو تدليس, ومن الجيد الاستفادة من التقنيات الحديثة لإشراك أكبر عدد ممكن للدخول في المزايدة وتوسيع فرص تسويق العقار بأفضل الأسعار.