الصندوق العقاري .. والانتظار إلى ما لا شيء
اقترب صالح من الـ40 من عمره، وهو موظف حكومي، وقد اجتهد دراسيا فأنهى دراسة الماجستير لعلها تكون معينة له مستقبلا، وبلا شك مثله مثل ملايين الشباب الطامحين الذين يحلمون بالاستقرار في منزل يملكونه، إلا أن ما يميز صالح أنه لم يركن للأحلام فقط، حيث قام بمبادرات مهمة لتحقيق الحلم وبمعاونة والده، استطاع في نهاية العشرينيات من عمره أن يشتري قطعة أرض مساحتها 400 متر مربع، وفي الوقت نفسه قدم على صندوق التنمية العقاري، الذي رأى وفقا لحساباته أن الوقت الذي يأتي فيه دوره في الصندوق ويحصل على الدعم المالي منه سيكون مناسبا لبناء منزله بسبب استقرار حياته الاجتماعية وعدد أسرته الذي يشجعه على هذه الخطوة، وكذلك انتعاش المنطقة التي اشترى فيها الأرض عمرانيا وتوافر الخدمات فيها، وقبل سنوات قليلة ٫بات حصول صالح على 500 ألف ريال كقرض حسن من صندوق التنمية العقاري ميسرا، وبدأ مشوار البحث عن أفضل تصميم يلبي احتياجه وفي الوقت نفسه يحقق أعلى منفعة للأرض، وهذا ما يعرف بأعلى وأفضل استخدام للأرض، وقام صالح بمشورة عديد من المصممين المبدعين الذين أعطوه كثيرا من النصائح المفيدة والمثمرة، التي من أهمها أنه بإمكانه أن يحصل على منزل يفي بحاجته الحالية كأسرة صغيرة مكونة من الوالدين وطفلين، وفي الوقت نفسه يتم استغلال مساحات المنزل الباقية للإيجار ليكون ذلك الدخل الإضافي معينا له في سداد أقساط الصندوق العقاري وفي قضاء حوائج أسرته كذلك، توصل صالح إلى التصميم الذي سيلبي احتياجه المتوقع خلال عشر سنوات وبعد ذلك الوقت سيكون الخيار متاحا وسهلا بفضل التصميم الجيد بأن يقوم بتوسعة المنزل كي يستغله بالكامل لأسرته عندما تتوسع مستقبلا، كان التخطيط على أشده ورؤية المنزل والتصاميم بتقنية ثلاثية الأبعاد 3D مشجعة ومحفزة له وكأنه يرى هذا المنزل الذي يحلم به منذ شرائه الأرض شاخصا أمامه، ولأن دوره في قرض الصندوق بات قاب قوسين أو أدنى، آثر أن يحصل على قرض يبدأ به أعمال تسوية الأرض والحفر والأساسات وذلك ليعجل بعملية البناء ويستطيع الحصول على دفعات متتالية من الصندوق لإنجاز كامل المنزل، وكذلك تكلفة إنجاز الفيلا التي خطط لها تحتاج إلى مبلغ 300 ألف ريال إضافة إلى 500 ألف لتكتمل، وفعلا تسلم صالح الدفعة الأولى من الصندوق، وفجأة حصل ما لم يكن بالحسبان، حيث توقف الصندوق عن أي عمليات إقراض لمن لديه أرض ويرغب في البناء عليها، واشترط أن من حصل على الدفعة الأولى فقط هو من سيكمل على النظام القديم، ثم نقض هذا الأمر وتشدد في أن من حصل على أكثر من دفعة هم فقط من سيكملون المسيرة مع الصندوق، حتى وصل إلى الإعلان أن من بقيت لديه دفعات أخيرة وقليلة هم فقط من يستطيعون الإكمال على الطريقة القديمة، وعلى بقية المواطنين الذهاب لجهات التمويل للحصول على تمويل عقاري لإتمام عملية البناء، وهنا وقع صديقنا صالح في ورطة كبيرة فقد استنفد كل حدوده الائتمانية مع الجهات المصرفية التجارية لأجل الحصول على القرض الأساسي الذي بنى به أول المنزل، وقد وصل الاستقطاع حاليا من راتبه إلى 45 في المائة فلا مجال لديه ليوفي أقساطا عقارية لجهات التمويل التي ستحمله الفوائد حتى يسدد له الصندوق، والمصيبة الأعظم أن جهات التمويل لا تستطيع تمويله لأن منتج بناء المساكن بالأصل لم يفعل ولم تصل جهات التمويل العقاري إلى صيغة مناسبة له بالاتفاق مع الصندوق العقاري ومؤسسة النقد كجهة مشرفة على عمليات التمويل، وبذلك أغلقت الأبواب في وجه صالح الذي يرى اكتمال المنزل الحلم يكاد يكون من المستحيلات وفقا للظروف الحالية، ويرى استقطاع التمويلات الأولى جزءا كبيرا من راتبه شهريا، وهو ما زال مستأجرا وما زالت لديه أسرة يحتاج إلى أن يعولها، بات الحزن سمة في وجه صالح والهم يعلو محياه على حاله وهو بين نار انتظار الصندوق العقاري إلى أجل غير مسمى وضعف في الوضوح، وبين أن ينقض الحلم ويبيع الأرض بما عليها في وقت انخفاض السوق ويخسر كل شيء.
صالح ليس إلا نموذجا لعشرات الآلاف من الشباب السعودي الذي اعتمد على أنظمة كانت نافذة، ثم "بشخطة" قلم تم نقضها وتغييرها وتعديلها بين ليلة وضحاها وبتعسف لم يراع أحوال الناس ولم يدرس حالات مشابهة لحالة صالح، وليس هذا هو الخوف الوحيد لدى المواطن اليوم، بل الخوف الأشد من أن الصندوق العقاري قد لا يفي بوعد سداد الأرباح للممولين، وذلك لأنه لم يبرم اتفاقية واضحة يخرج فيها المواطن من أن يكون وسطا بين الصندوق وجهات التمويل، بل ألزم الصندوق المواطن بسداد الأرباح للممول ووعده بتحويلها على حسابه، والحقيقة أن هذه الآلية مستغربة ولم نسمع تفسيرا منطقيا لها، والخشية من أنها تكتيك للانسحاب من الدعم على المدى المتوسط، وأخشى أن يكون على المدى القريب، وما نتمناه أن يكون قرض الصندوق معينا للمواطن وليس "نكبة" عليه.