مجلس الشورى ومشروع مكافحة العنصرية
جاءت عدة تصريحات حول مشروع اقتراح نظام لمكافحة العنصرية والطائفية في مجلس الشورى، وهي بلا شك تبعث على التفاؤل أن يبادر المجلس بدوره الوطني للحفاظ على وحدة الوطن وتماسك أفراده، الأمر الذي يستوجب منع كل ما من شأنه بعث الفرقة والاختلاف داخل المجتمع، ومن أهم ذلك سن مثل هذه الأنظمة التي تقطع الطريق على السفهاء والجهلة والمتطرفين أن يجرفوا الوطن في سفاهتهم أو تطرفهم.
هذه الخطوة من المجلس إن نجحت؛ فإنها تشير إلى تنامي الوعي لدى المجتمع ضد الأفكار القديمة التي لا يزال البعض يحاول فرضها على المجتمع باسم الدين أو العادات القبلية أو غيرها. لم يعد اليوم مقبولا أن يقول أحدهم رأيه ويزعم أن هذا هو الرأي الحق الذي لا يحق لأحد خلافه، بل اليوم هو زمن العلم والانفتاح والتسامح، ومهما كان صاحب الفكر المتطرف قويا فإن الزمن والوعي اليوم كفيل بتفتيت تلك الأفكار المتشددة.
ما الذي يمنع من سن نظام يكفل للجميع العدل والمساواة؟ فالإسلام حرم الظلم تحريما مطلقا، بل حرمه الله تعالى على نفسه، حتى مع الأعداء وفي الحرب، فإن الله يقول: "يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامين لله شهداء بالقسط ولا يجرمنكم شنآن قوم على ألا تعدلوا اعدلوا هو أقرب للتقوى"، قال الإمام ابن جرير في تفسير الآية: "ولا يحملنكم عداوة قوم على ألا تعدلوا في حكمكم فيهم وسيرتكم بينهم، فتجوروا عليهم من أجل ما بينكم وبينهم من العداوة".
جاء الإسلام أيضا بالكثير من المبادئ الإنسانية من تحريم التجسس والبحث في نوايا الناس، ولم يربط الإسلام أي استحقاق على أساس العرق أو اللون أو حتى الانتماء، فمن كان له حق أو مظلمة، فإن الإسلام يكفلها له حتى لغير المسلمين.
كانت العنصريات قبل الإسلام في أوجها وخاصة عند العرب، فلم تكن لهم تجمعات حضرية سوى القبيلة، وهو تجمّع يعتمد على العنصر أيضا، كذلك المجتمعات الأوروبية كانت تتراكم فيها العنصريات والطبقات بين البشر إلى القرن الـ 19 وربما إلى القرن الـ 20! إلى أن تطورت الحضارة الإنسانية كثيرا فيما يتعلق بالحقوق والحريات، بينما تلك الأصول جاء بها الإسلام قبل 15 قرنا!
لم يتوقف هذا التطور الإنساني والحضاري، واستمر يتطور بشكل إيجابي في العالم نحو الحقوق والحريات بشكل عام، إلا أن أسوأ منطقة في هذا المجال هي منطقتنا مع الأسف، المنطقة المشتعلة بالحروب والصراعات بشتى أشكالها العنصرية والعرقية والقبلية والطائفية والدينية وهكذا. ومن أسوأ نتائج المراحل المشتعلة أنها تعمل على عرقلة وربما العودة للوراء على صعيد التطور الإنساني والحضاري، حيث يسود غالبا في هذه المراحل التشنج والاندفاع أكثر من العقل والحكمة. ولكن اليوم هو يوم الحزم والعزم، وبقيادة خادم الحرمين الشريفين سنتجاوز عديدا من العقبات في سبيل الإصلاح وتحقيق العدل والمساواة بإذن الله، ولن يقف في سبيل ذلك عائق.