برنامج البيع على الخريطة «وافي» .. وأبعاده الاقتصادية
تقدم وزارة الإسكان في سبيل تنظيم السوق العقارية ما يطورها ويحفزها لإنتاج الوحدات السكنية المتنوعة عالية الجودة متناولة الأسعار الملائمة لكل الاحتياجات الاقتصادية والاجتماعية جملة من الحلول، ومن ذلك الحلول التنظيمية كبرنامج "وافي" الذي ينظم نشاط بيع أو تأجير الوحدات العقارية مهما كان غرضها أو أسلوب تطويرها وذلك بالترخيص للمطورين المقيدين في سجل المطورين العقاريين لشركات التطوير العقاري لمزاولة نشاط بيع الوحدات العقارية على خريطة بلادنا لها بعد استيفاء جملة من الشروط التي تحفظ حق المطورين والمشترين، وضبط ومخالفة الشركات الممارسة لنشاط البيع أو التأجير على الخريطة دون ترخيص.
كثير من النخب الاقتصادية والمؤثرة وكذلك المواطنين يظنون أن برنامج البيع أو التأجير على الخريطة "وافي" هو لائحة إجرائية متخصصة في الترخيص للمطورين من داخل البلاد وخارجها للقيام بهذا النشاط دون أن يعوا أبعاد هذا البرنامج الأخرى وأهدافه التي على أساسها تم إعداد شروط ومتطلبات الترخيص للبيع أو التأجير على الخريطة، وإعداد هيكلة البرنامج، وإجراءاته، وصلاحيات أمينه العام، وأعضاء ومهام اللجنة التي ترخص للبيع أو التأجير على الخريطة.
وسبب ذلك يعود لعدم إدراك المواطنين لمنطلقات هذا البرنامج كونه حلا لمشكلة ذات أبعاد متشعبة وتأثيرات سلبية في السوق العقارية التي تشكل السوق الإسكانية منها ما يفوق الـ 80 في المائة، ولو أدرك المواطنون المشكلات المباشرة وغير المباشرة التي عالجها وسيعالجها برنامج "وافي" وآثاره الإيجابية في التنمية العقارية على وجه الخصوص والتنمية الاقتصادية على وجه العموم، وكذلك آثاره الإيجابية في التنمية الاجتماعية، لقدروه ودعموا تطويره ليحقق أهدافه بكل كفاءة واقتدار ودون عوائق.
ولتتضح الصورة فإن القطاع العقاري في بلادنا يعاني مشكلة سيادة التطوير الفردي الذاتي (بناء مسكن خاص) على حساب التطوير المؤسسي الشامل والجزئي تطوير أحياء كاملة ببنيتيها التحتية والعلوية والأبنية على أراض بيضاء، تطوير مساكن بكميات كبيرة في أراض مطورة)، وهذا الوضع أدى لعدد من المشكلات أدت في مجملها لتشوه السوق العقارية فأصبحت عناصرها من مطورين ومشترين وممولين ومقيمين ومثمنين ومقاولين وسماسرة غير قادرين على موازنة العرض والطلب ما أدى لنشوء المشكلة الإسكانية المتمثلة في نحو 1.6 مليون طلب في قوائم وزارة الإسكان وقوائم صندوق التنمية العقاري، كما أدت في الوقت ذاته لندرة الأحياء السكنية المطورة وفق معايير التطوير الحضري الشامل الذي يراعي الأبعاد الاجتماعية والاقتصادية والثقافية والنفسية والأمنية والصحية والترفيهية للسكان حيث أصبحت المساكن مجرد مأوى لاغير. وليت الأمر وقف عند ذلك، بل إن المساكن التي طورت في أحياء شبكية لم تأخذ أياً من الأبعاد المهمة والحيوية لسكان الأحياء تعاني هي الأخرى رداءة الجودة لكونها طورت ذاتيا من قبل أفراد لا خبرة أو تجربة سابقة لديهم يعتمدون على توجيهات الأهل والأقارب والزملاء، ويقعون فريسة للمقاولين الأفراد وعمالتهم غير المدربة والمهارة التي عادة ما تصنف بكونها عمالة سائبة مخالفة، وهذا أدى لإنتاج مساكن تعاني مشكلات وعيوب في الهيكل الإنشائي، وفي أعمال الكهرباء، والسباكة، والتكييف، والصرف الصحي، وتصريف الأمطار على الرغم من التكاليف العالية التي تفوق المعدلات حيث تستخدم مواد أكثر من اللازم، وتتكون مساحات غير ذات فائدة، وينتج عن كل ذلك تهالك سريع في المباني مع طلب سريع ومستمر ومكلف للصيانة وتلف للأثاث خصوصا في مواسم الأمطار.
لن أستفيض في المشكلات وسأكتفي بمحصلة كل ذلك وهي أحياء متهالكة تنتشر في وسط المدن رغم إنفاق الدولة مبالغ طائلة لاستكمال خدماتها التحتية والعلوية، الأمر الذي أدى لتحولها إلى أحياء شبه عشوائية بما تعنيه الكلمة، وهجرة أهلها إلى أحياء جديدة ليقعوا في مشكلة التطوير الفردي الذاتي نفسها، وبطبيعة الحال الانتقال لأحياء جديدة يتطلب من الدولة ملاحقتها بالخدمات والبنى التحتية والعلوية وصيانتها، ليتضرر الاقتصاد الوطني من عدة أوجه منها ضياع التكاليف التي تحملها المواطن والدولة في الأحياء القديمة، ومنها تحمل نفقات لتطوير الأحياء الجديدة، وكل ذلك لا يحقق مبدأ التراكم في تكوين الثروات الوطنية، خصوصا لو علمنا أن العقار ثروة وطنية يمكن أن تكون ضمانا للديون المصرفية والديون الاستثمارية من خلال إصدار الصكوك التي يمكن أن تستقطب الأموال المحلية والخارجية لتطوير مزيد من الأحياء السكنية بوحدات سكنية متنوعة تلبي جميع الرغبات والطلبات.
"وافي" من خلال شروط منح الترخيص للبيع على الخريطة الذي يمكِّن المطورين من الإنتاج ويمكِّن المشترين من الشراء لسهولة حصول المطور على التمويل وسهولة الشراء بالتقسيط يشترط سجلا تجاريا لمؤسسة أو شركة، وأرضا مملوكة بسجل تجاري، وشهادة سلامة السجل الائتماني للشركة أو المؤسسة، كما أنه يشجع الشراكة بين المطورين وملاك الأراضي، وكل ذلك يدفع باتجاه سيادة التطوير المؤسسي على حساب الفردي، وبالتالي معالجة جذرية وبشكل تدريجي لكل مشكلات بل مآسي التطوير الفردي الذاتي وتداعياته السلبية على عناصر السوق العقارية كافة.
"وافي" أيضا يستهدف من خلال تشجيع التطوير المؤسسي وتحفيزه وتثبيط التطوير الفردي إلى توفير وحدات عقارية تمتاز بجودة عالية تتعاظم قيمتها بمرور الزمن، كما يستهدف خفض تكاليف تملك الوحدات العقارية من خلال ميزة الإنتاج الكمي بالتعاون مع مكاتب استشارية هندسية مصنفة، ومقاولين مصنفين، وبناء شراكات بين المطورين وملاك الأراضي والمقاولين والموردين وغيرهم، وكل ذلك بطبيعة الحال سيشجع الممولين لتمويل المطورين العقاريين من جهة، وتمويل الأفراد لشراء مساكن لهم بضمان دخولهم والوحدة السكنية من جهة أخرى.
ختاما، نظام البيع أو التأجير على الخريطة جعل أموال كثير من الدول تنتقل إلى دول أخرى لتطويرها عقاريا كما هو حال إمارة دبي وجمهورية تركيا وحقق لهذه الدول فوائد اقتصادية جمة، وحان الوقت لتفعيل نظام "وافي" على نطاق واسع لننعم بفوائده الاقتصادية والاجتماعية كافة بإذن الله.