إدارة الأراضي
تقوم الدولة مشكورة بجهود حثيثة لتحسين إدارة مواردها وأصولها ومحاولة لملمة شتات ما يعتبر تابعا للحكومة ومؤسساتها المختلفة، ولعل مشاريع الخصخصة ستجبر كثيرا من المؤسسات الحكومية على إعادة ترتيب أوراقها ونفض الغبار عن أصولها وممتلكاتها التي لم تحسن استخدامها، حيث يكون لديها سجل للأصول تستطيع من خلاله معرفة ما لها وما عليها وكيف يتم استخدام ما تملكه بأفضل الوسائل والطرق بما يحقق دورها التنموي ويعزز من مواردها المالية، وما شهدناه خلال الأيام الماضية من إعلان مشروع "جدة داون تاون" الذي سيكون مركزه أرضا تابعة لوزارة الدفاع حاليا واستخدامها يمكن إعادة النظر فيه، وسيقود المشروع صندوق الاستثمارات العامة بتطوير شامل يحتوي على استخدامات متعددة ترفع من جودة الحياة وتوفر عديدا من الفرص الوظيفية، وهذا مثال على أهمية حسن إدارة الأراضي وإعادة النظر في استخدامها، ومحاولة رفع كفاءة تسجيلها للحد من أي عمليات تعدٍ عليها وضمان بقائها لصالح الدولة لتتمكن من عمل مشاريع تنموية مميزة على المديين المتوسط والبعيد، وبهذا تتحقق المصلحة العامة من أراضي الدولة وكذلك يمكن بناء الخطط المستقبلية والتنموية وذلك لتوفر موردا مهما لإقامة المشاريع وهو الأرض، فلا يمكن إقامة مشاريع مستقبلية وتنموية إلا بتوافر الأرض التي تصل إليها كل الخدمات والبنية التحتية التي تجعلها قابلة للاستخدام الأمثل.
يعرف برنامج المستوطنات البشرية التابع للأمم المتحدة الفساد بأنه "إساءة استخدام المنصب العام لتحقيق مصالح خاصة"، ويوضح التقرير الصادر من البرنامج أشكال الفساد المستشري بداية من الرشوة وهو استخدام السلطة وأخذ الهبات العينية مقابل تحقيق مصالح خاصة لأطراف أخرى، والنوع الثاني النصب والاحتيال بمحاولة استغلال السلطة لتحقيق مصالح خاصة بشكل مباشر، وأخيرا المحسوبية وهي استخدام السلطة لمصلحة العائلة والقبيلة والحزب والعرق والطائفة، ويلاحظ أن القاسم المشترك في جميع أشكال الفساد خاصة الفساد في الأراضي وما يتعلق بها من مصالح وتحيزات هو وجود سلطة تمكن الفاسد من إنجاز المهمة، وكذلك ضعف الرقابة التي تجعل من الفساد أمرا متاحا بل ميسرا، إضافة إلى ضعف هيبة النظام التي تجعل الفاسد يستسهل عمليات الفساد لعلمه المسبق بعدم جدية التعامل مع هذا النوع من القضايا بشكل حازم وإمكانية الإفلات من العقوبات حال إقرارها. وتجدر الإشارة إلى أن الفساد في توزيع ثروة الأراضي وضعف إدارتها لم يكن وليد اللحظة ومر بعدة مراحل، لكن في القرنين الماضيين تمت ملاحظة مدى تأثير هذا النوع من الفساد في التنمية وتسببه في تشكيل الطبقية المتطرفة، ويصف الاقتصادي هنري جورج في القرن الـ18 هذا الوضع بمقولته "التباين الطبقي بين الأغنياء والفقراء، يمكن أن يقاس بقيمة الأراضي في ذلك المجتمع", لذلك قامت الدول المتطورة حاليا باستحداث الأنظمة والأدوات التي تكفل إدارة ثروة الأراضي وتنظيمها ومحاولة إعادة هيكلتها لتقوم بدورها كعنصر إنتاج يدعم التنمية ويحقق أهم احتياج بشري وهو المسكن الذي يأويه.
وتبدأ الحلول العملية وفقا لتجار بالدول في إدارة الأراضي برفع مستوى الشفافية في السوق من حيث الإفصاح عن الملكيات، وكذلك ضبط الملكية واستخدام أدوات التقنية الحديثة لرفع كفاءة استعراض البيانات، ويعد التسجيل العيني للعقار من أهم المتطلبات الذي يعتبر أحد أهداف وزارة الشؤون البلدية والقروية في برنامج التحول الوطني الذي يستهدف تسجيل 50 في المائة من العقارات مع أن خط الأساس هو 0.5 في المائة الذي بدأ منذ 2008، كما أن نسبة نزاعات ملكيات الأراضي من المقرر أن تنخفض إلى النصف في 2020، وتعتبر هذه الأهداف ليست بالهينة وأتمنى أن تتحقق، وهنا نتساءل هل من الممكن أن نصل إلى مستوى يتاح فيه استعراض تفاصيل العقار عن طريق رقم خاص به من خلال موقع إلكتروني؟ فيمكنك مثلا في مقاطعة بريتش كولومبيا، في كندا أن تستفسر عن تفاصيل أي عقار من خلال رقم خاص به يوضح لك جميع تفاصيله النظامية والفنية وتسلسل مبيعاته، وهذا كله يمكن طباعته من موقع إنترنت بـ9.45 دولار كندي أي ما يقارب 25 ريالا سعوديا، وغالب من يستخدم هذا النظام هم المهنيون العقاريون من مقيمين ووسطاء ومطورين ومستثمرين، كذلك من المهم سن الأنظمة التي تردع كل من تسول له نفسه الاعتداء على ثروة الأراضي والأهم تطبيق هذه الأنظمة على الجميع دون استثناء، وإعطاء مزيد من الصلاحيات لهيئة مكافحة الفساد للحد من ظاهرة التعدي على الأراضي، كذلك سهولة إجراءات التطوير وإيضاح استخدامات الأراضي وتوظيف الكفاءات سيحد من الرشوة والمحاباة.