مستشار إعلامي صحي
دخل علي مريض بهاق في العيادة وطلب مني تقريرا طبيا للعلاج في الخارج، بسبب أن إحدى القنوات التلفزيونية قد عرضت شريطا على أنه تم اكتشاف علاج فعال للبهاق مشتق من المشيمة، مصدره كوبا.
حاولت أن أفهم هذا المريض أن العلاج ليس جديدا، إنما هو نسبيا قديم وغير فعال، وقد تم عمل دراسة علمية محكمة عليه في أمريكا، "وترجمت الدراسة العلمية له" وأنه غير فعال.
وأخيرا اقتنع المريض بعد أن طلبت منه التواصل مع مريض يستخدم هذا العلاج ولم يفده. فوجئت بسيل عارم من المكالمات والاتصالات للسؤال عن هذا العلاج الجديد للبهاق. ولك أن تتخيل كم مريض سيتكلف لشراء هذا العلاج، وكم من مريض سيلوم طبيبه "لماذا لم تخبرني عن هذا العلاج" والبعض سيطلب أوامر علاج للخارج، وغيرها كثير، والسبب هو "الإعلام".
أعتقد أن الإعلام هو أحد مصادر المعلومات المهمة، خاصة إذا أرفق الخبر بتقرير طبي قد يتضمن دعاية مدسوسة أو معلومة خاطئة.
ما يفعله بعض وسائل الإعلام من نشر المعلومة الطبية الخاطئة "دون قصد" وعذرهم أنها من مصدر إعلامي آخر "وهو الأخطر إذا كان دون تمحيص" أو إذا كان من مركز أبحاث في أوروبا أو أمريكا وهذا أخطر، لأنه كثيرا ما تكون معلومات مبدئية عن علاج ما زال تحت البحث ولم يخرج إلى لاستخدام الطبي، وتفرح تلك الوسيلة الإعلامية بسبق معلوماتي صحي "فهي تتعامل مع المعلومة الطبية مثل الخبر السياسي أو الرياضي"، وهذا خطأ، لأن كثيرا من الأمراض المزمنة يتم اكتشاف علاج لها تحت البحث في مراحله المخبرية، وما أن تكون هناك بوادر نجاح "بحثية!" مباشرة تحرص الجامعة أو الشركة الممولة على البدء في تسويقه، بعد أن ضمنت "حقوق الفكرة"، وفي هذا تشويش على المريض والضغط على الأطباء، لأن المريض يعتقد أنه قصور في علم الطبيب أو قصور في الدولة التي لم توفر هذا العلاج للمواطنين، والسبب هو الإعلام.
ولو أن صاحب هذا العلاج واثق بفاعليته لسلك الطرق العلمية الصحيحة في تصنيع هذا الدواء، حيث يمر على ثلاث مراحل: مختبر ثم حيوانات ثم إنسان ثم عرضه في مجلات علمية أو مؤتمرات طبية. ثم وأخيرا الطبيب والمريض، وهذا الطريق طويل وهو الطريق الوحيد لضمان أمان وفاعلية أي علاج.
الحل لهذه المشكلة جدا بسيط، هو أن يكون لكل مؤسسة إعلامية مستشار طبي، تمرر عليه كل الأخبار الصحية، وتكون مسؤوليته هي التحقق من المعلومة الصحية، وألا يكون همه هو الإثارة الصحافية والسبق غير المحمود لاستقطاب مشاهدين وقراء ودخل مادي أكثر.
كما أنني أدعو إلى صيانة المعلومة الصحية مثل الحفاظ على المعلومة الأمنية والشرعية؛ لأن من ينشر معلومة صحية غير صحيحة يجب أن يعاقب خاصة من مؤسسة إعلامية أو من نشطاء التواصل الاجتماعي، لأن معلومة صحية خاطئة قد تضر مريضا، وقد حدث ذلك في السابق عن قصص كثيرة تتداول.
"فنحو معلومة صحية صحيحة".