رسوم الأراضي البيضاء .. إلى أين؟
لا شك أن أزمة السكن في السعودية لا يوجد لها حل واحد أو طريقة واحدة، إنما حزمة من الحلول التي يجب التحرك فيها ومحاولة تفعيلها، ومن أهم تلكم الحلول - التي يعانيها كثير من الدول- هو توافر الأراضي المناسبة داخل النطاق العمراني للمدن الرئيسية لإقامة مشاريع الإسكان الحديثة، وضخ مزيد من المعروض في السوق، الذي يناسب الشرائح المتعددة من الراغبين في تملك الوحدات السكنية. ظهرت فكرة رسوم الأراضي البيضاء كأداة مهمة للضغط على ملاك الأراضي البيضاء داخل المدن وفي وسط الأحياء المعمورة، ومضى على قرار فرض الرسوم أكثر من سنة وبضعة أشهر، وكان له تأثير ليس بالهين في تحفيز أصحاب الأراضي لتطويرها، حيث شهدت السوق خلال الفترة الماضية كثيرا من إعلانات التطوير لأراض خام، وكذلك مزادات عقارية للتخفيف من حجم الأراضي المملوكة ومحاولة تقليل تركزها في يد مجموعة بسيطة من الملاك، لكن هل المفترض أن نكتفي بذلك؟ أم يجب أن نعجل أكثر للانتقال إلى المراحل التالية؟ المتأمل حال كثير من الأراضي التي تدخل ضمن نطاق الرسوم سواء في الرياض أو جدة أو الدمام الكبرى أو مكة، سيلاحظ أن هناك رغبة في تطويرها، وهنا لا يمكن أن نستبعد الحالة الاقتصادية التي تمر بها السعودية التي تأثرت بها السوق العقارية بشكل مباشر، ولذلك يمكن أن تكون الرغبة في التخارج خلال السنتين الماضية واللاحقة هي محاولة لتحصيل أفضل قيمة ممكنة في حال استمرار الركود في السوق العقارية، خاصة بعدما اتضح أن هناك رغبة جادة من القيادة العليا بأن يتم حل مشكلة السكن وما يتعلق بها من مشكلة توافر الأراضي داخل نطاقات المدن العمرانية، لكن ما زالت هنالك أدوات قابلة للاستخدام، من أهمها الانتقال إلى مراحل رسوم الأراضي البيضاء الثانية والثالثة والرابعة، التي من الممكن أن تضغط أكثر على أصحاب الأراضي ولا سيما التي تحولت بعد المزادات والتطوير للبنية التحتية إلى مجموعة مساحات أصغر وتوزعت بشكل أكبر على أكثر من مالك، وهنا ستأتي أهمية المرحلة الثانية التي ستشمل من يملك أكثر من عشرة آلاف متر مربع في مخطط معتمد واحد، وهنا يمكن أن نتخيل حجم توزيع ثروة الأراضي التي ستحصل حيث سيكون الضغط أشد على أصحاب المخططات المطورة والجاهزة للبناء, وذلك ببيع أراضيهم لعدد أكبر من المواطنين وبالتالي سيزداد العرض بشكل أكبر، ويكون للمستهلك النهائي الغلبة في التفاوض ووضع السعر الذي يتناسب مع دخله، ثم سيكون الأمر أفضل بكثير في حال الوصول إلى المرحلة الثالثة، بحيث يكون الضغط على من يملك أكثر من خمسة آلاف متر مربع في مخطط واحد، ثم تأتي آخر المراحل وهي التي من المفترض أن تسهم بشكل كبير في إنهاء أزمة وجود أراض بيضاء غير مستغلة داخل المدن الرئيسية، وستمثل الضغط على من يملك أراضي بيضاء مطورة بأكثر من عشرة آلاف متر مربع على مستوى المدينة كاملة، حتى إن كانت في مخططات وأحياء متفرقة. الخلاصة، المرحلة الأولى من رسوم الأراضي تعتبر في حقيقتها مهلة ورسالة لجدية الدولة في تطبيق الرسوم، وما حصل خلال الفترة السابقة من ضرب للفساد وأهله، يوضح بجلاء أن هذه الأنظمة لم توجد لكي تبقى حبيسة الأدراج أو تحابي أيا كان، إنما وجدت لتحل جزءا مهما من أزمة السكن، ولا شك أن أي عمل في بدايته يعتريه النقص والخطأ والتقصير، ولاحظ المختصون في المجال العقاري أن هناك بعض الإشكالات في تطبيق نظام رسوم الأراضي ولائحته التنفيذية، مثل التأخر عن الجدول الزمني للفواتير وكذلك ضعف أساليب تقييم الأراضي والفجوة بينها وبين واقع أسعار السوق في بعض الأحيان، لكن كلنا أمل في أن يتفادى الفريق القائم على رسوم الأراضي هذه الإشكالات ويعملون على حلها، وأثق أنهم راغبون وعازمون على إنجاح البرنامج على المديين القريب والبعيد، ومن هنا أوجه النداء إلى اللجنة التي أقرها مجلس الوزراء، وذلك لمراجعة نتائج البرنامج الزمني لتطبيق رسوم الأراضي البيضاء، التي يرأسها وزير المالية، بأن يبذلوا قصارى جهدهم في توضيح مسار البرنامج وما معايير الانتقال من مرحلة إلى أخرى، وكيف يمكن قياسها بدقة، و ما الآثار المترتبة على ذلك، والنظر إلى مصلحة المستهلك النهائي، ومصلحة سوق العقار السكني واستدامتها بالدرجة الأولى حتى تحقق الهدف الرئيسي منها وهو توفير وحدات سكنية تتناسب مع دخل مختلف شرائح المجتمع، ولذا من المهم تغليب المصالح العامة على الخاصة ومحاولة الدفع نحو حل مشكلة توافر الأراضي، واكتنازها، بل وقياس الأثر في كيفية القضاء - قدر الإمكان - على هذا الأسلوب من الاستثمار وهذه العقلية غير المنتجة بل والمضرة للاقتصاد والبلد.