تغير هيكلة القطاع العقاري
المتأمل في وضع القطاع العقاري في المملكة خلال السنوات الثلاث المنصرمة يلحظ أن هناك إعادة تشكيل كاملة له، كان أحد أسبابها التغيرات الاقتصادية التي بدأت في 2014 واشتدت في النصف الثاني من 2015، وهذه التغيرات أثرت في حجم الأموال التي تنفق فيه وعدد الصفقات التي تنفذ وفقا لبيانات وزارة العدل، وكذلك التغيرات السعرية الواضحة على مستوى البيع أو التأجير، وصاحب هذه التغيرات الاقتصادية المؤثرة تغيرات في سياسة الدولة وأنظمتها الموجهة بشكل مباشر أو غير مباشر نحو السوق العقارية، فخلال العامين الماضيين، شهدت السوق العقارية استحداث وتحديث أكثر من 25 نظاما ولائحة تنفيذية متصلة بالسوق العقارية، وهذا يعني أن كثيرا مما نعرفه واعتدناه كمحترفين في السوق العقارية أو عاملين فيها سيتغير بشكل جذري، بل أكاد أجزم من واقع اطلاعي ومتابعتي الدقيقة للمستجدات ومشاركتي في بعضها، أن من يعمل في السوق العقارية خلال السنوات العشر الماضية لن يستطيع التعرف عليها وعلى هيكلتها خلال خمس إلى سبع سنوات مقبلة، وهذا لأن العقار كثروة مهمة وأصل يقدر حجمه بستة إلى سبعة تريليونات ريال، لا بد أن ينظم ويفعل دوره اقتصاديا واجتماعيا ليؤدي قطاع العقار دوره التنموي بشكل فعال ويسهم في توجهات الدولة الاقتصادية مستقبلا. المتابع للوضع العقاري سيجد أن أغلب الأشياء تغيرت عليه سواء على مستوى الأنظمة أو على مستوى تعاطي الأشخاص والسوق. وكدليل على التغيير الحاصل في هيكلة السوق، ما زلت أذكر قصة صاحب المكتب الذي يضع لوحاته على العقارات ومكتوب عليها "للبيع" بخط عريض، ينتظر أن يتصل به العملاء المحتملون، ويفاجأ بأن العقار تم بيعه بواسطة وسيط آخر، ويستغرب هذا الأمر، حتى اكتشف أن المبيعات الأخرى تمت عن طريق تطبيقات إلكترونية متخصصة في العروض العقارية، وأخذ يتحسر على هذه اللوحة التي ينتقل بها من مكان إلى آخر دون جدوى، وهذا يعني الحاجة إلى تغير المفهوم السائد لدى بعض العاملين في المجال العقاري، أن العمل العقاري لا يستحق أن يحصل إلا على فضلة الوقت كدوام جزئي أو عمل إضافي مساند "يسترزق منه". وهنا النصيحة للوسطاء الذين تنتشر مكاتبهم ويفتحها بعضهم باسم زوجته لأنه موظف حكومي، ويوظف فيها عمالة أجنبية، يجعلها تسرح وتمرح وتغلق الصفقات العقارية، وبعضهم يعطي معلومات مضللة ومغلوطة للأسف للمواطنين دون أدنى رقابة، وهذا ما نلاحظ تغيره حاليا، حيث بدأت وزارة الإسكان ممثلة ببرنامج "إيجار" في إعادة هيكلة قطاع الإيجار السكني ليكون أكثر تنظيما، وتم استخدام الوسائل التقنية حتى تسهل العمليات التأجيرية وتضبطها، ثم وجد القائمون على البرنامج أن الوسيط العقاري يعتبر أحد العناصر المهمة في السوق، وبالتالي بدأوا في محاولة تنظيم هذا القطاع الضخم الذي يقدر عدده بأكثر من عشرة آلاف مكتب عقاري حول المملكة، مع استبعاد من يعمل كوسيط "شنطة" أو من يضع "صندقة" في مخطط ويبدأ العمل التجاري دون أي تصريح، ولذلك قامت "إيجار" بترتيب العلاقة بين الوسيط والمالك، والتأكد من وجود أوراق رسمية يعمل الوسيط من خلالها، كما قامت بالتعاون مع المعهد العقاري السعودي بإطلاق برنامج تأهيلي مهني للوسطاء العقاريين ليكونوا أكثر وعيا وفهما لدورهم الاقتصادي والاجتماعي المهم، وأنشأت "إيجار" وحدة للرقابة الميدانية على الوسطاء للتأكد من تقيدهم بالأنظمة، وسخرت رقما موحدا لاستقبال الشكاوى والبلاغات، وفعلت العقوبات على المخالفين التي قد تصل إلى إغلاق المكتب العقاري أو دفع غرامة مالية أو شطب السجل نهائيها، وبهذا يمكن للسوق أن تتحسن مع الوقت ويمكن للعاملين فيها أن يبذلوا مزيدا من الجهد والوقت لكي يحترفوا المجال ليصبح مصدر دخل أساسيا لهم، وليس مجرد عمل يقضي فيه ساعات فراغه المسائية. الخلاصة، ما ذكرته من تنظيم في مجال الوساطة العقارية يمكن أن يقاس عليه كل المجالات العقارية سواء إدارة الأملاك والمرافق أو التمويل العقاري أو إدارة الصناديق العقارية، وغيرها كثير من الخدمات التي تمس القطاع العقاري وتسانده، وتعتبر ذات طابع مهني، وذلك لتكون أكثر احترافية. وهذا التوجه موجود وبدأ فعليا وسيفعل خلال الفترة القريبة المقبلة بشكل أكبر، لذلك النصيحة لمن يعمل في السوق العقارية، هي التكيف مع المتغيرات ومحاولة متابعة المجريات والحرص على الاستزادة من التأهيل المعرفي والمهني، حتى يكون في الريادة والمقدمة عند الإلزام بهذا التأهيل، ومن واقع معرفة جيدة بالسوق العقارية، فالفرص فيها كبيرة وكثيرة ومجدية، لكنها مليئة بالعقليات التقليدية والأساليب القديمة، وهذا لم يعد نافعا هذه الأيام.