مثالية طبيب سعودي
الدكتور سليمان طبيب سعودي متميز يحمل شهادة البورد الأمريكية والكندية ومن أشهر الأطباء في تخصصه حينما انتهى من اجتياز كل الشهادات أتاه عرض مغر جدا في القسم نفسه الذي تخرج فيه وكان امتحانا كبيرا له، فالحياة في الغرب لطبيب متميز مثله ستكون مثالية ليست له فقط وإنما حتى لتعليم أولاده، وبدأ الصراع الداخلي بين الهجرة والرجوع لربوع الوطن. وظل أسبوعا يستخير ربه وفي مخيلته والداه اللذان ناهزا الـ 70، وقد نخرت الأمراض في جسديهـما وهـما يحتاجان إليه قريبا منهما ويحسان بالطمأنينة لأنه كلما زارهما في إجازة يقضي وقتا ليس قصيرا في تطبيبهما والذهاب بهما إلى المستشفى في عيادات متكررة للتأكد من سلامتهما وعلاج ما بهما من أمراض ويسافر وهو مطمئن القلب وأيضا معلق القلب حتى يرجع، ولم يتجرأ أن يأخذ رأيهما لأنه يعلم مدى انتظارهما لتخرجه وعودته بالقرب منهما.
وأيضا تلومه نفسه كيف لبلد كان له الفضل -بعد الله- أن درسه وابتعثه على حساب الدولة لإكمال أعلى الشهادات بعد كل هذا لا يبقى إلا الوفاء.
ودخل على رئيس القسم وعبر له عن شكره لثقتهم به ولكن "ذكر له أسبابه الحقيقة" وتأثر رئيس القسم وقال: "تصدق أن لي سبع سنوات لم أشاهد والدي"، وأبدى إعجابه ببره بوالديه ووفائه لوطنه وقال: سنعطيك درجة أستاذ إكلينيكي وهذه تكفيك من جلوسك بيننا وفي الوقت نفسه تكون طبيبا متعاونا معنا وتزورنا وكأنك منا وفينا.
وحزم أمتعته وعاد إلى أرض وطنه وكله فخر وقد كسب الحسنيين -ولله الحمد- وقال، "يا فخر ويا فرحة والدي فيني".
أعرف أحد زملائي ممن قرر أن يهاجر ولا يعود للوطن بعد تخرجه، وهو قريب مني رغم هجرته. وبعد سنة من عمله في أفضل المستشفيات يكلمني وكله حسرة ويقول، لم أتخيل أن عاطفة الوطن بهذه القوة ويقول كل يوم أخرج من المنزل للمستشفى أتخيل وطني وأبكي على فراقه رغم الراحة النفسية والمادية والعلمية في الغرب إلا أنه "الوطن".
نصيحتي لكل زميل تم ابتعاثه من هذا البلد المعطاء أن يتذكر أن الوفاء من شيم الكرماء، وأتفهم ظروف البعض وأعذرهم إما لتخصصات نادرة أو غيرها من الأسباب التي لا يسع مثل هذا المقال أن يذكرها. وأسأل الله لهم التوفيق.
لكني أطلب منهم أن يفيدوا بلدهم بما أنعم الله عليهم من العمل في أرقى المستشفيات والمراكز البحثية المتقدمة في العالم، أطلب منهم بالاجتهاد بترتيب زيارات متكررة وغيرها من التعاون العلمي بين الجامعات الغربية وجامعاتنا.
وهذا قد يسهل عملية اعترافهم في برامجنا التدريبية، ما سيكون له أثر إيجابي في تطوير التدريب. قد تبدأ بعاطفة.. وتنتهي باكتئاب.
أقول، "احسبها صح".