مؤتمرات أم أبحاث؟
من أهم معايير قياس تقدم أي بلد معين هو مدى اهتمامه بنوعية وكمية الأبحاث وليس مدى كثرة عقد المؤتمرات. أعتقد أن المؤتمرات شيء مهم وحضاري ونقطة التقاء النخبة للاستفادة منهم، لكني دائما أقول: هل ممكن أن يذكر المحاضر في محاضرته معلومة لم تنشر في بحث علمي؟. إذن المرجعية في المعلومة ليس ما يقال في المؤتمر دون مرجعية بحثية، وإنما ما يتم نشره في الأبحاث المحكمة.
وأعترف أنه ليس كل ما يذكر في الأبحاث مسلم به "لأن هناك أبحاثا ضعيفة أو مدفوعة الثمن"، وإنما على الأقل أغلبها يمر عن طريق قنوات تمحيص ومراجعة قد يحكم عليها القارئ أنه بحث جيد أم لا، وهذا له طرق علمية دقيقة لتمحيص معلومة البحث هل هي مدفوعة الثمن من شركة أم أنها محكّمة وعلمية وصحيحة؟ وليس المقام هنا لذكر آلية تقييم البحوث، لكنها مؤكد أن معلومة البحث أهم بكثير من معلومة المحاضرة المجردة من المرجعية البحثية.
وتقييم جودة المحاضرة غالبا يكون بكثرة توثيق المحاضر لكل معلومة يذكرها ويرصع محاضرته ببحث يصدق هذه المعلومة، وكثرة الآراء الشخصية غير المدعومة ببحث يضعف المعلومة. إذن المرجع الأول والأخير في العلم هو الأبحاث العلمية الموثقة والدقيقة. والأفضل أن يكون البحث هو مصدر معلومات أي محاضرة. وأحيانا في المحاضرة يحاول المحاضر أن يقنع الحاضرين برأيه الشخصي أو خبرته "وهذا محترم"، لكن كثيرا ما يسأل بعد المحاضرة عن مصدر هذه المعلومة فإن كانت مستندة إلى بحث علمي موثق أصبحت معلومة شبه مسلمة ومقبولة علميا عند المتلقي، أما إن تلعثم المتحدث وقال أعتقد شخصيا أو من تجربتي أو غيره فهذا يضعف المعلومة وغالبا قبول المعلومة للمستمع لن يكون بسهولة. فالأفضل هو أن يكون هناك عدد كبير من المؤتمرات الموثقة بأبحاث محلية لعرض مثل تلك الأبحاث التي هي مؤشر يعكس الرقي الحضاري لهذا البلد.
وفي المؤتمرات العالمية تجدنا نفرح كثيرا حينما يستند المحاضر إلى بحث تم عمله في السعودية أو أي دولة عربية، وتجدنا نتهامس في كلمة المحاضرة فرحين بذلك.
أما إن كان التركيز على المؤتمرات فقط وإهمال الأبحاث فسوف تكون مؤتمرات ضعيفة تعكس تجارب شخصية أو معلومات غير موثقة، أو أن يضطر المحاضر لذكر أبحاث بلد آخر، وهذا يوضح ضعف البحث العلمي في البلد الذي يعقد فيه المؤتمر، لكن المحاضر سيستشهد بأبحاث غير محلية يصعب تطبيقها في بلده، لذلك فائدتها قد لا يمكن تطبيقها في بلده.
عمل أي مؤتمر يحتاج فقط إلى مال وقليل من الفكر "وهذا سبب سهل"، أما عمل الأبحاث فهو استراتيجية بلد. إن لم تفعل هذه الاستراتيجية في السعودية وتدعم ماليا "ومع الأسف ما زلت أذكر أن قيمة بحث واحد شاركت به في كندا فانكوفر حينما كنت في مراحل الدراسة كان بقيمة ميزانية أبحاث مستشفى كامل لمدة سنة في الرياض". فلن نرتقي إلى مصاف الدول المتقدمة.
ونشاهد أخيرا ومع الأسف تسابق المستشفيات لعمل المؤتمرات العالمية "وهذا جيد نسبيا" والاهتمام بدعوة شخصية اعتبارية للافتتاح والاهتمام إعلاميا بهذا المنجز "بحسب زعمهم"، وكثيرا ما نسمع انتقادات من متحدثين عالميين يقولون "يا ليتكم تهتمون بالبحث العلمي بقدر اهتمامكم بالمؤتمرات".
أعرف أن الأبحاث هي إحدى استراتيجيات "رؤية 2030"، لكن يجب أن نقرأ ميزانيات داعمة وآليات تطبيق، وحوافز أكبر للبحث العلمي.
استشاري الأمراض الجلدية