الرياض .. ومواجهة التلوث
تعتبر مدينة الرياض ضمن قائمة أعلى مدن العالم في تلوث الهواء، بحسب موقع منظمة الصحة العالمية، ولا شك أن تلوث الهواء هو ناتج لعدد من الأسباب منها تلوث العوادم، والتلوث النابع من المصانع، والطبيعة الجغرافية للمدينة، ولا يمكن إغفال سبب مهم كذلك وهو طرق التخلص من النفايات بالحرق والردم.
يرجع مسمى مدينة الرياض إلى جمع روضة، ومع ذلك، ومع الزيادة السكانية والتخطيط الحضري، لا تحظى مدينة الرياض باهتمام من ناحية إيجاد رئات للتنفس أو حدائق خضراء في كل حي وبين الأحياء بل حتى الزراعة في الشوارع، تتم زراعة أشجار لا فائدة منها ويتم تقصيرها وتقزيمها لأسباب غير معروفة، ناهيك عن زراعة زهور تدوم لفترة أسبوع أو أكثر ثم تحرق من حرارة الشمس وتجف! فأي اهتمام بالبيئة هذا وأي هدر للموارد هذا.
إن عزم المملكة في "رؤية 2030" على الاهتمام بالبيئة جاء بشكل واضح وصريح كما أشارت له الرؤية كالتالي "نحقق استدامة بيئية: يعد حفاظنا على بيئتنا ومقدراتنا الطبيعية من واجبنا دينيا وأخلاقيا وإنسانيا، ومن مسؤولياتنا تجاه الأجيال القادمة، ومن المقومات الأساسية لجودة حياتنا. لذلك، سنعمل على الحد من التلوث برفع كفاءة إدارة المخلفات والحد من التلوث بمختلف أنواعه، كما سنقاوم ظاهرة التصحر، وسنعمل على الاستثمار الأمثل لثروتنا المائية عبر الترشيد واستخدام المياه المعالجة والمتجددة، وسنؤسس لمشروع متكامل لإعادة تدوير النفايات، وسنعمل على حماية الشواطئ والمحميات والجزر وتهيئتها، بما يمكن الجميع من الاستمتاع بها، وذلك من خلال مشروعات تمولها الصناديق الحكومية والقطاع الخاص".
وجاء التأكيد على التالي"تصنيف ثلاث مدن سعودية بين أفضل 100 مدينة في العالم" ومن هنا ننطلق للحديث عن أهم مفهوم للمدن وهو "قابلية العيش" liveability وتتمثل المعايير لتصنيف المدن المهمة في السلامة / الجريمة، والاتصال الدولي، المناخ، أشعة الشمس، نوعية العمارة، النقل العام، والتسامح، والقضايا البيئية والوصول إلى الطبيعة، والتصميم الحضري، وظروف العمل، وتطورات السياسات الاستباقية والرعاية الطبية. وهنا يجدر التساؤل عن التلوث المستمر والسلوكيات التي قد تشاهد أحيانا من رمي "أعقاب السجائر" في الشوارع وغيرها من المخلفات، عند مرورك في الطرق السريعة في المدينة، نشاهد الجزيرة الفاصلة بين الطريقين تحولت إلى مكب أو مرمى للمخلفات البسيطة، وهذا سلوك يتنافى مع الوطنية والحرص على نظافة الوطن، ولذا يجب عدم التساهل مع مثل هذه السلوكيات وردعها، وإضافة رمي المخلفات من السيارة ضمن المخالفات التي ترصد بكاميرات المراقبة وعدم التهاون بذلك أبدا. إن من موجبات محبة الوطن الحفاظ عليه فهذا الشارع أو الطريق الذي نستخدمه هو ملك لنا جميعا، وقد دفعت الدولة مبالغ ضخمة في إنشائه وما زالت تدفع في صيانته ونظافته، ولكن هلا تساءلنا ما إذا توقف عمال النظافة في مدينة الرياض عن العمل لمدة شهر واحد فقط؟
ولذا يجب على كل جهة مسؤولة وعلى الجهات التعليمية أخذ زمام المبادرة في تحقيق "رؤية المملكة" فيما يتعلق بالبيئة عبر التوجهات التالية:
دعم المبادرات التعليمية والأهلية في زيادة الرقعة الخضراء أفقيا وعموديا في مدينة الرياض، بل تجاوز ذلك إلى مشروع وطني يهدف لجعل مدن المملكة خضراء بالنباتات التي ترتبط بثقافتنا وبيئتنا وذات فائدة. على وزارة الشؤون البلدية والقروية وهيئة تطوير الرياض إعادة النظر في نوع وطرق قص الأشجار، لماذا تقص الأشجار ولماذا تزرع زهور ذات أعمار قصيرة جدا، ولماذا لا تتم زراعة نباتات من ثقافتنا العربية!
يجب كذلك البدء في دعم حواضن الأعمال لإنشاء شركات وطنية بخبرات دولية، خاصة بإعادة التدوير التي تقوم بشراء المخلفات من المواطنين وإعادة تدويرها والانتفاع بها، وإيقاف حرق المخلفات ودفنها نهائيا.
على وزارة التعليم البدء في نشر ثقافة فصل المخلفات والاستفادة من بعض المخلفات مثل العلب أو البلاستيك في الأعمال المفيدة التي تعيد استخدامه في نواح مفيدة أو أعمال فنية وحرفية، ونشر ثقافة ومنهجيات الاستفادة من المخلفات مثل الاستفادة من المخلفات الحيوية في صناعة الأسمدة. يعتبر هذا العصر هو عصر المواد البلاستيكية بلا منازع، وحيث إن المملكة هي مصدرة للمواد الخاصة للبلاستيك، فنحن لا نشعر بمدى أثره في البيئة، وأبسط مثال هو عند الشراء من أي مكان، فإن أثر الأكياس البلاستيكية قد لا يخطر على بال، ومن هنا يجب التوجه إلى وجود خيار آخر وهي أكياس الورق، أو الأكياس من "الخيش" أو القماش التي يمكن استخدامها لعدد من الأغراض المختلفة.
إن صحة مدينة الرياض ونظافتها في خطر، يستوجب ذلك عددا من المعايير والحملات التوعوية والمبادرات الحكومية ومنظمات المجتمع المدني، حتى نستطيع الوصول إلى تحقيق "رؤية 2030" وبيئة مزدهرة وعامرة.