الثوابت والمتغيرات في علوم الطب

كل العلوم فيها ثوابت "كثيرة" ومتغيرات "قليلة"، وأهم مثال هو العلم الشرعي، حيث إن فيه ثوابت ونصوص من القرآن والسنة الصحيحة غير قابلة للاجتهاد، وهي الأغلب ولا يجوز الاجتهاد مع النص، ولكن المشرع ترك مساحة للاجتهاد، ويعد المصدر الرابع من مصادر الشريعة بعد الكتاب والسنة والإجماع. وكم هو جميل تعبير ذلك المستشرق الألماني جولد زيهر Gold Ziher عن الاجتهاد بأنه "ينبوع القوة التي تجعل الإسلام يتحرك ويتقدم بكل حرية"، ولكن هناك شروط للمجتهد. وكما أنه يجعل للعقل مساحة من التفكير ويثري المكتبة الإسلامية بالمعارضات والردود، وفي هذا ثراء فكري إيجابي، ولكن مع الأسف هناك من هو ضيق الأفق "الدنيا عنده أبيض وأسود فقط"، صعب على نفسه وصعب على الآخرين، ولا توجد عنده مساحة من الأخذ والعطاء، ونسي أن الشافعي كانت له مدرستان استدرك بعض أخطائه "اجتهاداته" وعدل عنها حينما اتضح له الحق.
ذكرت تلك المقدمة الشرعية "وأنا متطفل على هذا العلم، فليعذرني طلبة العلم الشرعي"، وأقصد أن علوم الطب فيها أيضا ثوابت ومتغيرات يضيق صدر بعض الناس حينما تتضارب أقوال الأطباء في موضوع معين ويتهمون الأطباء بقلة العلم إذا اختلفت آراؤهم الطبية، وينسون أننا معشر الأطباء متفقون 80 في المائة، خاصة في العلوم الأساسية، ونختلف 20 في المائة، وأحيانا تتغير آراؤنا ونتضارب ونغيرها إذا اتضح لنا الحق. وأكثر ما يضايقهم "وأنا أجد لهم العذر"، حينما يذهب أحدهم إلى طبيب القلب وينصحه بأخذ الأسبرين ويحذره الطبيب الآخر. والحل هو أن تتبع من تثق به. وصدقوني أن من ينصح من الأطباء باستخدام الأسبرين كان بناء على دراسات علمية، وصاحب الرأي الآخر أيضا عنده دراسات علمية. الخطأ الشائع في اختيار الأمور الاجتهادية هو، تتبع الهوى واختيار ما يريده من فتوى من كل شيخ "من تتبع سقطات العلماء تزندق". وكذلك في الطب، من الخطأ أن تبحث لمبررات وأقوال شاذة طبيا لدعم رغباتك، مثل أحد الأصدقاء "حينما أصبح ثريا" وبدأ بتدخين السيجار، كان يتحدث في أحد المجالس "بكل ثقة" عن فوائد السيجار، وأنها من ورق الشجر الطبيعي، ويستدل بأبحاث روج لها بائعو السيجار في كوبا لدعم منتجهم. وقلة من الناس ممن ابتلوا بشرب الخمر، يستدلون بفائدته لتقليل تخثر الدم، ونسوا قول الله تعالى، "يسألونك عن الخمر والميسر * قل فيهما إثم كبير ومنافع للناس وإثمهما أكبر من نفعهما * ويسألونك ماذا ينفقون قل العفو * كذلك يبين الله لكم الآيات لعلكم تتفكرون"، البقرة "219".
وصدقوني أن "الإثم ما حاك في النفس وكرهت أن يطلع عليه الناس"، فلا تحاول تبرير خطأ ما لرغبتك فيه، لأن هذا سيضرك في دينك وصحتك.
أقول لكل من يعتقد بقدسية الأطباء، ويستغرب اختلافهم في بعض الآراء الطبية، أننا معاشر الأطباء بشر، نجتهد ونخطئ ونتراجع.
فاعذرونا ولا تقدسونا.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي