هل من عودة للإنفاق الحكومي؟

بعد أعوام من تشديد السياسة المالية السعودية، وإعادة تعريف مفاهيم ووسائل الإنفاق الحكومي، تبرز الحاجة اليوم أكثر من ذي قبل إلى العودة لاعتماد سياسة مالية توسعية. صحيح أن الميزانية السعودية كلها تعاد صياغتها لتحقيق أعلى مستويات الكفاءة من كل ريال تقوم الحكومة بإنفاقه؛ حيث إن الإنفاق الحكومي أصبح دقيقا في دعمه لمشاريع محددة الهيئة والأهداف، ولكن المتغيرات الاقتصادية تتطلب وتمكننا من العودة إلى ميزانية توسعية عامة لدعم الاقتصاد.
أهم المتغيرات هو الزيادة المطردة في تكلفة الإقراض؛ فسعر السايبور اليوم وصل إلى أعلى مستوياته في تسع سنوات؛ أي أنه عاد إلى مستويات ما قبل انهيار أسعار النفط، كما أنها مرشحة لاستمرار الارتفاع على مدى الأعوام الثلاثة المقبلة، في ظل نية "الاحتياطي الفيدرالي" رفع أسعار الفائدة. إلى جانب ذلك، فإن مؤسسة النقد تعمل على تخفيف السيولة الفائضة في النظام المالي عبر عدم تجديدها ودائعها والحد من نوافذ إعادة الشراء، فهي معنية - في الأساس - بالحفاظ على سعر الصرف والسيولة فوق كل اعتبار آخر.
وضع أسعار الفائدة هذا، في ظل النقلة النوعية في المشاريع التي تعمل الحكومة على طرحها، سيعمل على رفع تكلفة التمويل، وبالتالي المشاريع بشكل عام، الأمر الذي قد يحد من قدرة الاقتصاد على الاستثمار في تكوين رأس المال الثابت، إلا أن الأمر الأهم من ذلك، هو أن مستويات الإقراض للقطاع الخاص تظل أكثر حساسية للإنفاق الحكومي منها للتغير في أسعار الفائدة. وبهذا يمكن دعم الاقتصاد كله، وزيادة القروض الموفرة للقطاع الخاص عبر عودة الإنفاق الحكومي بشكل واسع.
هذا التوجه والتغيير في شكل السياسة المالية لا يتنافى مع برامج "الرؤية" والتحول الوطني، فيمكن الاستمرار في جميع البرامج مع ترشيد الإنفاق، ورفع كفاءته، والحد من الدعم، والتركيز على موارد مالية جديدة جنبا إلى جنب مع توسيع طاقته، ولكن في الوقت نفسه، يمكن للحكومة بعدما نجحت في إعادة هيكلة قنوات القطاع الخاص التقليدية، خصوصا قطاع المقاولات، توجيه حزمات من الإنفاق الإضافي لهذه القنوات التقليدية لمجرد تحقيق هدف دعم النمو والحركة الاقتصادية وتيسير السيولة في جوانب الاقتصاد كافة.
ما يمكننا من ذلك هو نجاح السياسة السعودية في دعم أسعار النفط، فالمستويات التي وصل إليها سعر البرميل لم تكن ضمن أكثر السيناريوهات تفاؤلا. صحيح أن السعودية حدت من طاقتها الإنتاجية للنفط، ولكن كل المؤشرات تدل على أن الإيرادات النفطية والتدفقات النقدية من إصدارات الدين العام قادرة على استيعاب العودة إلى إنفاق حكومي واسع على البنية التحتية. أهم ما يجب أن يؤخذ في الحسبان هو أن تتكامل مشاريع البنى التحتية المعتمدة مع الخطة الشاملة للنهوض بقطاعات اقتصادية جديدة مثل التعدين والخدمات اللوجستية والسياحة، وأن تكون البنية التحتية الجديدة ذكية في اعتمادها الطاقة المتجددة؛ لتمكن من إرساء قواعد وشبكات توصيل لهذه الطاقة متى ما دخلت حيز الإنتاج.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي