شبابنا .. طموحات في المسار
في حديث مع أحد الأصدقاء بشأن المشكلات التي تواجه الشباب السعودي، خاصة أولئك الذين لم يؤسسوا أنفسهم بشكل سليم، إما لحداثة تخرجهم وحصولهم على فرصة عمل، أو الذين لم يتمكنوا حتى الآن من الحصول على عمل، سواء في القطاع العام أو القطاع الخاص، مع أن كثيرين يفضلون القطاع العام لميزة الأمن الوظيفي الذي يحققه، بدلا من القطاع الخاص، الذي يفاجئ الموظف بقرار الفصل دون إبداء الأسباب أو الإنذار المسبق، إن كان هناك تقصير أو ملاحظات، في حين أن المتعاقدين تتيسر أمورهم بسرعة البرق، وبرواتب وميزات عالية وكثيرة، كبدل السكن، والعلاج، وبدل دراسة الأبناء، والتذاكر وغيرها.
المشكلات التي تم تحديدها عموما، هي عدم الحصول على العمل بعد مشوار الدراسة المضني لبعضهم، والزواج، والتكلفة الهائلة التي يعجزون عن تحملها، ما يترتب عليه عزوفهم عن الزواج، حتى لو تمكن الفرد من الزواج بمساعدة الأهل والأقارب، فإنه يخشى من الالتزامات المالية ما بعد الزواج. أما المشكلة الأخرى التي تواجه الشباب، فهي تملك السكن، وهذه المشكلة أسهمت في استمرار بعضهم ليعيشوا جل أعمارهم، إن لم يكن كلها عند خط الفقر، نظرا لأن جزءا من الدخل يتم صرفه على الإيجار.
اقتناء سيارة أصبح حاجة ملحة، خاصة في المدن الكبيرة، لصعوبة التنقل، مع عدم وجود مواصلات عامة منتظمة وشاملة كل المدينة، ما اضطر بعضهم إلى الاعتماد على سيارات الأجرة، لتشكل المواصلات أحد مجالات الصرف الإجبارية التي لا يمكن الاستغناء عنها.
أخبرني الصديق الذي تناقشت وإياه حول الموضوع، أن أخاه اشترى أرضا قيمتها مليون و800 ألف ريـال، ومع القرض من البنك أصبحت قيمتها ثلاثة ملايين و400 ألف ريـال لمدة 25 عاما، ما يعني أن جزءا كبيرا من دخله سيرهن على مدى 25 عاما، وأخبرني أن عمر أخيه الآن 33 عاما، أي أنه لن يتمكن من التصرف في راتبه كاملا إلا عند عمر 58 عاما، إن قدر له العيش حتى هذا العمر، فمتى سينعتق من الدين المترتب على القرض، ويستمتع بحياته؟!
التغيرات الاجتماعية أوجدت معها بعض الحلول، إلا أنها تحتاج إلى مراجعة لعدم نجاعتها، ولأنها ليست حلولا بقدر ما هي مسكنات تسهم في تراكم المشكلة لتحول شريحة كبيرة من ذوي الدخل المحدود إلى فقراء، تطاردهم أشباح القروض ومطاردات الجهات المقرضة.
النقاش مع الصديق ذكَّرني بحديث عابر مع أحد العاملين في إحدى الشركات المتعاقدة مع إحدى الجهات الحكومية، حيث ذكر أن راتبه 3500 ريـال، إلا أن عليه قرضين: قرض السيارة وقرض البيت، وفي وضع كهذا يحق للمهتم بالشأن العام، ولجميع شرائح المجتمع معرفة كيف يمكن لهذا الشخص أن يدير، ويدبر حياته وعائلته لتأمين حياة كريمة.
الحلول التي أقرأ وأسمع عنها، والبرامج والصناديق التي أنشأتها بعض العائلات لمساعدة المستحقين من أبنائها، لكن هذه البرامج محدودة في عدد قليل من الأسر، كما أن بعض المحسنين أوجدوا صناديق مساعدة المقبلين على الزواج، كصندوق الشيخ عبدالعزيز بن باز للزواج، الذي يستقبل الدعم من المحسنين.
معضلة الإسكان - في ظني - تمثل المعضلة الأساس، نظرا لارتفاع تكلفتها، خاصة مع ارتفاع أسعار الأراضي وتكلفة مواد البناء والتنفيذ، وقد أسهم صندوق التنمية العقارية في حل المشكلة خلال العقود الماضية، إلا أن الإجراءات التي اتخذتها وزارة الإسكان في الفترة الأخيرة غير كافية، إذ تخلت عن إعطاء القروض لمستحقيها مباشرة دون فوائد، حيث يتم تحويلهم على المصارف بفوائد عالية، ومنتجات عقارية غير مضمونة الجودة، كما يتم تداوله بالصورة عبر وسائل التواصل الاجتماعي من قبل مَنِ اضطرتهم الظروف القاسية إلى أخذ هذه المنتجات.
المنتجات العقارية التي تعلنها وزارة الإسكان بين فترة وأخرى ينقصها الإشراف الدقيق والجيد، حيث إن المطورين العقاريين هدفهم الأساس تحقيق الربح السريع بأقل التكاليف، ليتحول المستفيد إلى ضحية يدفع ثمنها مالا، وافتقاد الراحة والطمأنينة الواجب تحققها في السكن. شريحة الشباب هي رافعة التنمية الأساسية لأي مجتمع، وما لم تتحقق المتطلبات الأساسية، كالسكن المريح والزواج، فلن يحيا حياة مطمئنة تساعد على جودة العطاء، فهل نعيد النظر في سياسات الإسكان وبرامج التنمية الاجتماعية؟!