الاستثمار في الأبناء
من أكثر الأمور التي تثقل كاهل الآباء والأمهات، وتستحوذ على جل تفكيرهم هو مستقبل أبنائهم، فالأب يعمل ليل نهار من أجل هذا المستقبل، ولا يكل ولا يمل من ساعات العمل الطوال، والغاية هي تأمين المستقبل، وتأمين المستقبل هنا "فضفاض"، والكل ينظر إليه من زاويته الخاصة، وللجميع رؤيته التي يؤمن بها ويسعى إليها، وفي غالبية المجالس والأحاديث لا يكف أولياء الأمور عن طرح معاناتهم وتجاربهم في هذا الشأن، فالبعض يرى أن توفير المنزل الملك والرصيد المصرفي من أهم مهام الوالدين، فتراه يتجنب الإنفاق على كثير من الجوانب الحياتية لتحقيق هذا المبتغى والغاية.
من أجمل الطروحات، التي استمعت إليها في هذا الشأن، طرح أحد الأصدقاء في إحدى الجلسات عندما قال: "أرى أن الاستثمار في الأبناء هو الأجدى والأنفع لهم، وليس الاستثمار لهم"، وقبل أن نطرح عليه السؤال قائلين: "كيف؟"، استطرد قائلا "الأفضل هو أن تستثمر في ابنك، وتنفق عليه لبناء نفسه، وتكوين مستقبله، ومساعدته على تنمية قدراته، ليس على مستوى الدراسة فقط، بل في كل المجالات، وأن تنفق عليه بالشكل الذي يجعله الخيار الأقوى والأمثل، عندما يقدُم على سوق العمل، وهو خير له من كنز المال، وتوفير المنزل والمركب وغيرهما من وسائل الحياة التي يحتاج إليها".
ويضيف قائلا "استثمر في ابنك، وطوِّر قدراته، واكتشف مواهبه، ولا تبخل عليه أبدا في سبيل ذلك، ألحقه بالدورات في اللغات، وفي التقنية وفي كل الوسائل التي تجعله مختلفا عن أقرانه عندما يكبر، وهنا ستجعل منه مؤهلا لسوق العمل، يستطيع أن يحقق لنفسه ما كنت تريد أن تحققه له، من منزل ورغد العيش أيضا".
أتفق مع الصديق في رؤيته، وأعتقد أنها تتمحور حول النهج الذي يتبناه كثير من الدول المتقدمة، ألا وهو "الاستثمار في الإنسان"، وليس من أجله، وكثير من الدول العالمية لم تتقدم ولم تتطور إلا عندما استثمرت في عقول أبنائها، وأنفقت عليهم المليارات لتعليمهم وتطوير قدراتهم، التي بدورها؛ أي تلك العقول، أسهمت في تطوير بلدانهم وجعلها في مصاف الدول المتقدمة.