استراتيجيات التغلب على التحديات الوظيفية
كتب عباس العقاد عند حديثه عن العوامل الغالبة في صناعة النجاح أن هناك شروطا لذلك، فقال: الاهتداء إلى استعداد الفطرة، ثم صدق الرغبة في تحقيق ذلك الاستعداد، وصرف الجهد إلى العمل دون النتيجة المرتقبة منه، وتعزيز الثقة بالنفس أمام العقبات والموانع.
كيف نتعامل مع التحديات العملية؟ وما القواعد والقوانين التي تمكننا من النصر؟ وما دور الاستراتيجية في ذلك؟ وهل يضمن الانتصار على العدو النجاح في العمل؟
إن مفهوم الاستراتيجية مفهوم قديم وعريق، فقد عرف Chandler الاستراتيجية بأنها "تحديد الأهداف الأساسية طويلة الأمد لمنظمة واختيار طرق التصرف وتخصيص الموارد الضرورية لتحقيق الأهداف".
أما الباحث Steiner فيعبر عن الاستراتيجية بكونها مفهوم يتعلق بما يقوم به المديرون لمواجهة التحركات الفعلية أو المتوقعة من جانب المنافسين الآخرين، وأنها تشير إلى فكر وطرق وإجراءات عديدة ضرورية لنجاح الأعمال.
سعى Mintzberg إلى صياغة مفهوم الاستراتيجية، عبر خمسة أركان Five Ps for strategy فالاستراتيجية:
- عبارة عن خطة Plan موضوعة تحدد سياقات وسبل التصرف، فهي دالة مرشدة للتعامل مع موقف معين أو حالة معينة وهي مصممة لإنجاز الأهداف.
- وهي مناورة Ploy القصد منها خداع المنافسين والالتفاف حولهم.
- وهي أنموذج Pattern متناغم الأجزاء من خلال السلوك المعتمد.
- حتى غير المعتمد للوصول إلى مركز Postern متناغم الأجزاء من خلال السلوك المعتمد.
- حتى غير المعتمد للوصول إلى مركز position أو وضع مستقر في البيئة، وهذا الوضع يتصف بالديناميكية والفاعلية، وهي منظور يعطي القدرة على رؤية وإدراك الأشياء وفقا لعلاقتها الصحيحة.
إن لكل عمل استراتيجي غايات وطرقا وأساليب. يقوم في منظومة العمل الإداري عديد من الأشخاص ضمن سياق هيكلي، ويتحرك بشكل تدافعي، بيد أن لكل شخص في هذه المنظمة عددا من الدوافع والمحركات - إن صح التعبير - داخل تلك الهيكلية، تنبع من رؤيته الشخصية الخاصة بذاته، وتتداخل مع صفته داخل المنظمة وكيف يتخيل مستقبله بها أو دونها.
عندئذ يدخل التخطيط الاستراتيجي والتفكير الاستراتيجي حيزا كبيرا داخل الذهنية البشرية على الرغم من عدم المعرفة أحيانا أن ما نقوم به هو عمل استراتيجي، وبين عمل شيء دون إدراك وتخطيط وعمله بشكل واضح ودقيق ومنظم، فرق كبير، تتجلى في معرفة الذات وحدود النفس، ومعرفة الوظيفة وجميع ما يمكن عمله من خلال المنصب الوظيفي. وكيف يمكن توظيف الوسائل لتحقيق الغايات، مع التفكير في الكلفة، على اعتبار المفهوم الواسع للكلفة "مادية - معنوية - أخلاقية".
حاول عدد من المنظرين الحديث عن تلك الاستراتيجيات العسكرية وتطويعها في السياق المهني الإداري، فتحدث مثلا روبرت جرين في كتابه "كيف تمسك بزمام القوة"، وأورد فيه عددا من القوانين التي شدد فيها على الحفاظ على السمعة، وكيف يمكن الكسب عن طريق العمل وليس من خلال النقاش، وتحدث كذلك عن جعل الناس يعتمدون عليك، وأورد قائلا: عندما تطلب المساعدة، خاطب في الناس مصالحهم الذاتية.
وأضاف الكاتب كذلك قاعدة مهمة في التعامل مع الآخرين وإغضابهم، فقال: اعرف مع من تتعامل - لا تغضب الشخص غير المقصود. وختم بعدد من القواعد كان من أهمها: اعرف متى تتوقف.
وهنا، نرى أن كثيرا من الاستراتيجيات العسكرية تم تبنيها في مجال الأعمال والتنمية الإدارية والشخصية، عن طريق عدد من القواعد. وكان لمايك ليبلينج كذلك مشاركته في كتابه "العمل مع العدو"، حينما قال: كيف تستطيع أن تجرد عدوك من سلاحه الذي يؤثر فيه عليك وأن تغير مفاهيمك، ليس فقط عن الشخص الذي يتعامل معك، بل كيف تبطل مفعول الأداة التي من خلالها يؤثر فيك، فعندما يبطل مفعول الأداة لا يكون بعدها عدو، ولا سيما إذا اعتقد الطرف الآخر أن التأثير لا يزال مستمرا.
بيد أن الاستراتيجي الحقيقي هو الذي يربح دون الدخول للصراع، ومن هنا كان التحدي الأكبر للاستراتيجي ليس الانتصار على العدو عند الاشتباك معه، بل كيفية أن تحول العدو إلى صديق. وكل تلك القوانين أعلاه لا تخلو بلا شك من قيم مضافة في اكتساب مهارات التعامل. وعلى الرغم أن بعض المفاهيم الاستراتيجية قد جانبت الأخلاقيات الحضارية، إلا أن بعضها الآخر كان أداة إذا استخدم في الخير، فهو في مجال الخير والعكس صحيح. ومن هنا نستطيع القول إن معرفة تلك الأساليب والقواعد مهمة جدا، حتى وإن لم يتم استخدامها، لكن لمعرفة التعامل معها.
ولعلنا نستحضر أهم قاعدة نختم بها هذا المقال، هي قول الحق سبحانه وتعالى: "وَلا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ".
ونرى هنا الدفع ورد العداء بالصبر والحلم والعفو، فأي انتصار أرقى وأقوى من الانتصار على أهواء الذات والإحسان، وتذكر الإحسان وإتقان العمل.