«ليمان براذرز» .. الدروس المستفادة والتحديات «2 من 2»
هذه السياسات مجتمعة – في سياق العمل الجماعي الدولي - آتت ثمارها إلى حد كبير من حيث اجتنابنا للسيناريو الأسوأ. ولم يكن ذلك بالأمر الأكيد - عقب انهيار بنك "ليمان براذرز" مباشرة، وقتما بدأنا الطريق إلى هاوية محققة. كانت لحظة الحقيقة بالفعل.
كذلك عالجت السياسات الأخطاء التي أدت إلى الأزمة. وبالتالي، حدث تحسن كبير في أوضاع رأس المال والسيولة المصرفية. وتم تخفيض الكيانات غير المدرجة في الميزانية العمومية وإدخالها تحت المظلة التنظيمية. وأصبحت المصارف الكبيرة تواجه قواعد تنظيمية أكثر صرامة، كما أصبح الرفع المالي أقل. وتراجع إنشاء القروض العقارية عالية المخاطر حتى أوشك على الاختفاء. وتم نقل جانب كبير من المشتقات المالية المتداولة خارج السوق الرسمية إلى جهات المقاصة المركزية.
كل هذا جيد، لكنه لا يزال غير كاف. فهناك مصارف عديدة لا تزال ضعيفة، خاصة في أوروبا. وربما تقتضي الحاجة إجراء زيادة أكبر في رأسمال المصارف. ولا تزال مشكلة المصارف "الأكبر من أن تفشل" قائمة حتى الآن مع استمرار نمو المصارف من حيث الحجم ودرجة التعقيد. ولا يزال التقدم غير كاف في كيفية تسوية أوضاع المصارف الفاشلة، ولا سيما العابرة للحدود. وهناك قدر كبير من الأنشطة الأكثر خفاء ينتقل الآن إلى قطاع صيرفة الظل. وفوق ذلك كله، هناك تحديات إضافية تواجه الاستقرار المالي مع استمرار الابتكار المالي – الذي يشمل التداول عالي التواتر والتكنولوجيا المالية. وربما الأكثر إثارة للقلق بين كل هذه الأمور، أن صناع السياسات يواجهون ضغوطا كبيرة من الصناعة نفسها للتراجع عن القواعد التنظيمية التي أرسيت بعد الأزمة.
وهناك مجال مهم آخر لم يتغير كثيرا - وهو مجال الثقافة والقيم والأخلاقيات. فكما أشرت من قبل، لا يزال القطاع المالي يعطي الأرباح أولوية على حساب الحكمة بعيدة المدى، واعتبارات المدى القصير على حساب الاستمرارية. وما علينا إلا استعراض الفضائح المالية العديدة التي وقعت منذ انهيار بنك "ليمان براذرز" للتدليل على ذلك. إن قواعد السلوك الأخلاقي ليست مهمة لذاتها فقط، إنما هي مهمة أيضا لأن السقطات الأخلاقية لها عواقب اقتصادية واضحة. ويمكن أن تسهم جودة التنظيم والرقابة مساهمة كبيرة في هذا الصدد، لكنها لا تستطيع القيام بكل المطلوب. إذ يجب أن تكملها الإصلاحات داخل المؤسسات المالية.
وفي هذا السياق، تعد زيادة القيادات النسائية في صناعة التمويل مقوما أساسيا في الإصلاح. وأقول هذا لسببين. الأول هو أن زيادة التنوع تسهم دائما في شحذ الفكر، ما يحد من احتمالات الانسياق للفكر الجماعي. ثانيا، هذا التنوع يقود إلى مزيد من الحكمة، مع قدر أقل من أنماط صنع القرارات المتعجلة التي أشعلت الأزمة. وهذا ما تثبته أبحاثنا أيضا - فارتفاع نسبة النساء في مجالس إدارات المصارف وأجهزة الرقابة المالية يرتبط بزيادة الاستقرار. وكما قلت في مناسبات عديدة، لو أن المصرف الذي انهار كان "ليمان سيسترز" بدلا من "ليمان براذرز" لربما كنا اليوم في عالم مختلف إلى حد كبير.
فأين نحن الآن وقد مضت عشر سنوات على انهيار بنك "ليمان براذرز"؟ الخلاصة هي أننا قطعنا شوطا طويلا بالفعل، لكنه لا يزال غير كاف. فالنظام أكثر أمانا، لكنه غير آمن بالقدر الكافي. والنمو تعافى، لكن ثماره غير موزعة بالقدر الكافي.
وما يعقد الأمور أن مشهد الاقتصاد السياسي شهد تحولا أبعده عن الالتزام بالتعاون الدولي - ومن المفارقات أن هذا التعاون هو ما حال دون تحول الأزمة إلى "كساد كبير". تذكروا الدور الذي قامت به مجموعة العشرين ومجلس الاستقرار المالي وصندوق النقد الدولي ومؤسسات أخرى عملت جميعا في تعاون وثيق على مدار العقد الماضي. الواقع أن أهمية التعاون الدولي في مواجهة تحديات القرن الحادي والعشرين هي أحد الدروس الباقية للأزمة.
إننا نواجه اليوم تصدعات جديدة بعد الأزمة – من التراجع المحتمل عن إجراءات التنظيم المالي، إلى تداعيات عدم المساواة المفرط، إلى الحمائية والسياسات المنغلقة، إلى الاختلالات العالمية المتصاعدة. وستكون كيفية مواجهتنا لهذه التحديات هي ما يثبت استيعابنا دروس "ليمان براذرز". ومن هذا المنطلق، لا سبيل إلى وضع تقييم ملائم للتركة الحقيقية التي خلفتها الأزمة بعد مرور عشر سنوات فقط - لأنها لا تزال تتكشف حتى الآن.