الاقتصاد الرقمي وإيجاد ملايين الوظائف
وجود عالم أقوى وأكثر استقرارا عاد بالنفع على الولايات المتحدة. فقد مكن الولايات المتحدة من التمتع بفترة من أطول فترات النمو الاقتصادي المستمر التي عرفها العالم الحديث. ومنذ ذلك الاجتماع الذي عقد في بريتون وودز منذ قرابة 75 عاما، ارتفع إجمالي الناتج المحلي الحقيقي الأمريكي. وطوال الـ30 عاما التي أعقبت الحرب العالمية الثانية، نما إجمالي الناتج المحلي الأمريكي بواقع ثمانية أضعاف، وزاد متوسط دخل العامل الأمريكي بمقدار أربع مرات. ولم يأت هذا النجاح على حساب البلدان الأخرى، بل على العكس قامت القيادة المتعاونة لهذا البلد بتمهيد السبل ليس فقط لعقود من الفرص هنا في أمريكا، بل أيضا للنمو الذي عم بلدان العالم.
واليوم تغير المشهد مرة أخرى. ويرجع جانب من هذا التغير إلى العوامل الجغرافية - السياسية وتحول بعض القوة الاقتصادية من الغرب إلى الشرق، بينما يرجع جانب آخر ظهور أطراف فاعلة لا تنتمي لدول، بينما فيها الشركات متعددة الجنسيات، وجانب ثالث تدفعه التكنولوجيا والوتيرة السريعة في كل شيء حولنا. وأنا متأكدة أن القائمين على هذه المكتبة على دراية كاملة بأن 90 في المائة من بيانات العالم نشأت في العامين الماضيين فقط. وبما أنني ابنة لأبوين أستاذين لعلوم الحقبة الكلاسيكية، أعلم أن والدي يمكن أن يصعب عليهما تصديق هذه الحقيقة، لكن الحقيقة هي كل شيء - من المعلومات إلى المال إلى المرض، كلها تنتقل بسرعة في عالمنا الحديث.
لكن هذه التحولات يمكن أن تجلب فرصا هائلة، وكذلك مخاطر غير مسبوقة. لماذا؟ لأن ما يحدث في بلد يؤثر في البلدان الأخرى أكثر مما كان عليه الحال في أي وقت مضى. أذكر مثلا أسلحة الدمار الشامل، وأمن الفضاء الإلكتروني، والنظام المالي المترابط - كثير من تحدياتنا الحالية لا تعترف بالحدود. ولذلك، فحين يتداعى الدعم للتعاون الدولي، يجب أن نتذكر درس الولايات المتحدة وحلفائها الذي علموه للعالم منذ أكثر من 75 عاما، وهو أن التضامن مصلحة ذاتية.
وأعتقد أن العام المقبل 2019 يمكن أن يكون نقطة تحول أخرى في رحلتنا - لحظة يقدم فيها العالم دفقة جديدة من الإبداع في معالجة تحدياتنا المشتركة.
ويمكن أن نستمد الإلهام مما حولنا. فعلى سقف هذا المبنى الذي نراه فوقنا، نقشت كلمات الشاعر إدوارد يانج "جد خفيض ما يبنون من هم تحت النجوم يشيدون".
تصوروا حال العالم لو أننا أخفقنا في البناء والتكيف. يمكن أن نعيش في "عصر الغضب".
فمع حلول عام 2040 يمكن أن يصل عدم المساواة إلى مستويات تفوق ما كانت عليه في "العصر المذهّب". فالاحتكارات القوية في مجال التكنولوجيا والحكومات الضعيفة ذات السياسات المحلية غير الفعالة، تجعلان النجاح مستحيلا بالنسبة إلى المشروعات البادئة ورواد الأعمال. والإنجازات المحققة في المجال الصحي يمكن أن تتيح للأغنياء الأكثر ثراء أن يعيشوا إلى عمر يتجاوز الـ120 عاما، بينما يرزح الملايين تحت وطأة الفقر المدقع والمرض. وتستمر وسائل التواصل الاجتماعي في توجيه قذائفها تجاه هذه المجموعة من "السكان المهملين"، مشددة على التفاوت بين واقعهم والحياة الأفضل التي يمكن أن تتحقق لهم. وتتسبب فجوة التطلعات في إذكاء السخط والغضب في النفوس، وتنهار الثقة بين البلدان، ويصبح العالم أكثر ترابطا من خلال التكنولوجيا الرقمية، لكنه أقل ترابطا من كل الأوجه الأخرى والتعاون الدولي لما فيه المصالح المشتركة يصبح مفهوما يدرس في المكتبات على غرار هذه المكتبة، لكنه قلما يمارس على الساحة العالمية، نظرا لإعلاء المصالح القومية والتركيز الحصري على السياسات المحلية. وأقتبس من كتاب الدكتور كيسنجر الذي يحمل عنوان "النظام العالمي" فأقول إننا قد "نواجه فترة يتحدد فيها المستقبل من قبل قوى لا تقيدها أي اعتبارات لأي نظام".
إنه سيناريو بائس للغاية، أليس كذلك؟ لكني لا أعتقد أن نؤول إلى هذا المصير. وبالمناسبة، ليس هذا ما يعتقده الدكتور كيسنجر أيضا، فقد تغلبنا على أخطار وجودية من قبل ونستطيع القيام بذلك مرة أخرى. فكروا في شكل العالم إذا جعلنا 2019 بداية لنوع مختلف للـ AI "الذكاء الاصطناعي بالاختصار الإنجليزي" - وهو أن عصر الإبداع سيكون مستقبلا يذكيه الإبداع والتعاون.
ومع حلول عام 2040 يمكن أن نرى اقتصادات مزهرة تعمل في معظم المجالات بالطاقة المتجددة. ستتمتع النساء آنذاك بالتمكين الكامل في الانضمام للقوى العاملة، لتثبت أنها قوة اقتصادية واجتماعية قادرة على تغيير قواعد اللعبة. وستكون نظم التقاعد الجديدة والرعاية الصحية القابلة للتحول بمنزلة تعبير عن طبيعة العمل في الاقتصاد الرقمي. وستتحمل الشركات مسؤولياتها الاجتماعية كجزء من نماذج عملها. ويمكن أن تؤدي المهارة التكنولوجية إلى إنقاذ الأرواح وإيجاد الملايين من الوظائف. سنرى نهاية الهجرة الجماعية، وستتوسع التجارة في كل أرجاء العالم، ويسود التعايش السلمي بين البلدان.