الإبداع ومفهوم التعاون الدولي في القرن الـ21 «2 من 2»
في مطلع السبعينيات جاء هذا التغيير. ففي خطبة تاريخية للرئيس نيكسون بعنوان "تحدي السلام"، أعلن إلغاء إمكانية تحويل الدولار الأمريكي إلى ذهب. وكان القرار صادما للعالم واضطر الجميع إلى الدخول في مفاوضات لمدة عام أدت إلى هيكل أسعار الصرف المعومة المطبق في العصر الحديث.
وفي ذلك الوقت، تصور البعض أن هذا التغيير بالتحديد سيعني نهاية الصندوق. لكن كل بلداننا الأعضاء، بما فيها الولايات المتحدة، كانت تعلم أن هدفي الاستقرار والرخاء يمتدان إلى أبعد بكثير من أسعار الصرف الثابتة. كانت تدرك مزايا وجود كيان مهمته إطفاء الحرائق المالية العالمية، ويمكن أن يساعد البلدان وقت الحاجة.
وفي مواجهة أزمة النفط لعام 1973، أنشأ "الصندوق" أدوات جديدة لمساعدة البلدان في التصدي لحالة الطوارئ التي حدثت في مجال الطاقة، تماشيا مع دور "الصندوق" في المساعدة على تخفيف أثر الصدمات ومنع تداعياتها الضارة. وعندما أصيبت أمريكا اللاتينية بأزمة الدين في الثمانينيات، سارع "الصندوق" لتهدئة الأجواء، بمساعدة الولايات المتحدة التي أسهمت في تقديم دعم وأفكار مبتكرة. وبعد انهيار سور برلين، تصدينا لتحد جديد، وهو مساعدة البلدان التي كانت جزءا من كتلة الاتحاد السوفياتي السابق على التحول من اقتصادات مخططة مركزيا إلى اقتصادات سوق حرة. وفي التسعينيات، ساعد الصندوق البلدان على التغلب أولا على أزمة البيزو المكسيكي ثم الأزمة المالية الآسيوية.
وفي كل هذه التحديات، ظللنا نساعد البلدان حول العالم على تقوية أساسياتها الاقتصادية ــ السياسات النقدية وسياسات المالية العامة وسياسات سعر الصرف ــ مع اتخاذ خطوات لبناء مؤسسات اقتصادية أقوى. كل هذه الجهود أتاحت تحسين السياسات التي فتحت الأسواق، وعززت التجارة، ووفرت الوظائف، وأطلقت إمكانات الاقتصاد.
ثم جاء عام 2008 والأزمة المالية العالمية. وكان الركود الكبير الذي أعقبها تذكرة لنا بأن التعاون الدولي ضرورة وليس اختيارا. وبصفتي وزيرا لمالية فرنسا آنذاك، شاركت في تلك الإجراءات التي اتخذها المجتمع الدولي. وقد اتخذت بلدان مجموعة الـ20 و"الاحتياطي الفيدرالي" خطوات استثنائية لإنقاذ النظام. وقدم الصندوق كل إمكاناته لمواجهة الأزمة، فتعهد بتقديم أكثر من 500 مليار دولار أمريكي للمساعدة في تأمين الاقتصاد العالمي. وفي السنوات العشر التالية، دعمنا برامج اقتصادية في أكثر من 90 بلدا وطوعنا أدواتنا المستخدمة في الإقراض، وهو ما شمل تقديم قروض بأسعار فائدة صفرية لمساعدة البلدان منخفضة الدخل.
لكن الاقتصاد العالمي كان يحتاج إلى أكثر من السيولة والدفعة التنشيطية. ومن ثم، عملنا مع بلداننا الأعضاء لصياغة قواعد تنظيمية أقوى للقطاع المالي حتى نتمكن، معا، من الحيلولة دون وقوع أزمة لاحقة.
ولم يكن لأي من هذا أن يحدث دون الولايات المتحدة. فقد تحدى هذا البلد النظام الاقتصادي العالمي حين كان تحديه ضروريا. صاغ حلولا وسطا حين كانت الحلول الوسط ضرورية.