الشخصية المشوهة
أذكر في أثناء المرحلة المتوسطة كان لدينا معلم يدرس في المدرسة نفسها التي يعلم ابنه فيها. زاملت ابنه ثلاثة أعوام. كان والده يتجنب التواصل مع أي زميل له لمساعدة ابنه. ويتجنب الحديث مع ابنه خلال المدرسة. عندما يمر ابنه بجواره يكتفي بابتسامة موجزة ويمضي دون أن ينبس ببنت شفة. وقاتل حتى لا يقوم بتدريس ابنه. وما زال في ذاكرتي موقف لا يغيب. عندما تعرض ابن المعلم لظلم من أحد المعلمين بعد أن اتهمه بالغش نظرا لإجابته النموذجية، رغم أنه لم يغش. استنجد الابن بأبيه لكنه رفض التدخل تماما وقال لو لديك أي حق راجع إدارة المدرسة وستأخذ حقك. وبالفعل ذهب الطالب إلى الإدارة التي أجرت له اختبارا مباغتا أثبت مصداقيته وعدم صحة ظنون معلمه.
لماذا أسرد هذه القصة بعد كل هذه الأعوام؟ إنني أستعيدها بعد أن التقيت بذاك الابن حديثا في مناسبة ورأيت كيف طرأ عليه التغيير الإيجابي على شخصيته وتقدمه العملي والتجاري.
بعد عدة لقاءات جمعتني به لاحقا تأكدت أن ما حققه من نجاحات وظيفية وحياتية جاء بعد توفيق الله ثم شخصيته الاستقلالية التي أسهم والده في بنائها .
فلم يكتف بأنه جعله يصارع واقعه في المدرسة بل حتى الحياة. يخبرني أن والده رفض أن يقرضه عندما حاول افتتاح مشروعه الأول واضطر إلى زيارة عدة جهات تمويلية والمرور في إجراءات متعددة حتى استطاع الحصول على القرض والفرصة التي مهدت له الطريق وفتحت له الأبواب.
قد يبدو للوهلة الأولى أن والده تخلى عنه. لكن الحقيقة أن والده تمسك به وارتفع معه.
عندما تحصل على الشيء ببساطة لن تشعر بطعمه وقيمته. ستفقده بالسهولة ذاتها لأنك لم تتكبد المشقة. والأهم أن الاستقلالية تجعلك شخصا مسؤولا يحارب ويقاتل ويخوض الحروب. يصبح قويا وصلبا. في حين أن من تصلهم الفرص وهم متسمرون في أماكنهم يظهرون في منتهى الهشاشة والوهن. عقبة أو اثنتان قد تطيحان بأحلامهم.
شكرا للآباء الذي يقسون على قلوبهم حتى يرون أبناءهم يكبرون ويتقدمون.
حبك لفلذة كبدك لا يعني القيام بعمله وإنما ادفعه ليقوم بذلك بنفسه.
احذر أن تلغي شخصية ابنك وتشوهها بدافع حرصك عليه. تابع وراقب عن بعد لكن امنحه مساحة ليتألم فيتعلم.