«أرامكو» ودروس الاكتتابات
حدثتكم عن أن سهم "أرامكو" فيما يتصل بالمساهمين الأفراد هو إضافة نوعية للمحفظة باعتبار وزن الشركة المؤثر والجوهري، ولعلها الشركة الوحيدة التي بوسع الفرد منا اعتبارها مستودعا لادخار القيمة وتقديم العائد المضمون لخمسة أعوام مقبلة. وكما سبق أن بينت، فإن السهم ينافس فيما تقدمه الودائع الادخارية لزمن، فضلا عن أنه بعد السماع لكل ما قيل حول المخاطر، فيبدو أن هناك من لم يدرك أن مخاطر "أرامكو" هي الأقل بين المنشآت الاقتصادية، بما فيها الشركات في السعودية بلا منازع. وليس أدل على ذلك كيف تناهبت السوق العالمية طرح "أرامكو" لسنداتها في نيسان (أبريل) 2019، بأن تجاوز الطلب 100 مليار دولار، أي ما يتجاوز ثمانية أضعاف قيمة الطرح. وإن كان من تصويت عملي - وبالمال - على الثقة بـ"أرامكو"، فهذا أبلغ تصويت، فضلا عن أنه تصويت عالمي. ومع الأخذ في الحسبان أن الطرح كان سندات، أي أداة دين، والآن نحن بصدد اكتتاب في أسهم، أي ملكية مشاعة في "أرامكو"، إلا أن الأمر من ناحية أخرى يبقى أن مشتري السندات لن يقدموا إن لم تكن هناك ثقة تامة بأن الكوبونات ستدفع، وأن القيمة الاسمية للسند ستبقى متماسكة حتى حلول الأجل، وأن الشركة قادرة عندها على السداد. وعلينا ألا ننسى أن اكتتابات لسندات لا تحقق نجاحا تبعا لمستوى الثقة بالجهة المصدرة للورقة المالية.
من ناحية ثانية تتصل بأن على المستثمر المحتمل أن يأخذ قرارا موضوعيا وليس أن يكون تابعا لقطيع، بأن يتخذ قراره بناء على سماعه مقاطع مغرقة في الإيجابية الحالمة أو السلبية القاتمة. إذ إن القرار السليم يعتمد على استقاء بيانات وتحاليل موضوعية ثم اتخاذ القرار الذي بوسعك تحمل مسؤوليته وجني تبعاته لاحقا. والنقطة هنا، أن من مسؤولية المكتتب المحتمل في أسهم "أرامكو" أو سواها من الشركات، أن يفرز ما يصله من توصيات وآراء حتى التحاليل، فليست جميعها موضوعية بالضرورة. وفي هذا السياق لعل هناك سابقة يجدر ذكرها. في عام 2003 طرحت شركة الاتصالات السعودية للاكتتاب العام، وحصل الاكتتاب على نحو 36 مليار ريال سعودي، بتغطية بلغت 3.5 ضعف، وتنافس على الأسهم نحو 800 ألف مكتتب، وكانت قيمة السهم عند الطرح 170 ريالا. وخلال فترة الاكتتاب كثرت النصائح السلبية، منها أن قيمة السهم مبالغ فيها، وأنها ستتدهور فيما بعد، بل إن هناك من كان يشكك بأن يحظى اكتتاب شركة الاتصالات بتغطية تتخطى المرة ونصف المرة، وكانت المفاجأة أن أموالا هائلة ضخت في آخر أيام الاكتتاب، لا أستبعد أن قام بها - آنئذ - ناشرو الأخبار المشككة لإبعاد المنافسين عن السهم، أي "استفتِ قلبك".