ميزانية كفاءة الإنفاق وتحفيز القطاع الخاص

ميزانية كفاءة الإنفاق وتحفيز القطاع الخاص
ميزانية كفاءة الإنفاق وتحفيز القطاع الخاص
ميزانية كفاءة الإنفاق وتحفيز القطاع الخاص
ميزانية كفاءة الإنفاق وتحفيز القطاع الخاص
ميزانية كفاءة الإنفاق وتحفيز القطاع الخاص

بداية، لم يعد الزخم الإعلامي لإعلان الميزانية العامة للدولة "معلوماتيا" كسابقه خلال العقود الماضية، نظرا للارتفاع الكبير في مستوى شفافية بيانات ومعلومات الميزانية، وانتظام نشرها دوريا مع نهاية كل ربع من العام المالي، وتضمن نشراتها الدورية قدرا واسعا من البيانات التفصيلية للميزانية، وأداء قطاعات الاقتصاد، وتطورات حجم الدين العام، ومصادر تمويله محليا وخارجيا، إضافة إلى تضمن تلك النشرات الدورية لدرجات الالتزام بالبرامج والأهداف الموضوعة مسبقا، ولتوقعات الأداء الاقتصادي المحلي ولتقديرات الميزانية العامة للدولة لعدة أعوام مقبلة.
تلك زاوية إيجابية جدا، أن تصبح الأطراف كافة المهتمة بإعلان الميزانية العامة وبتفاصيلها، على اطلاع مستمر ومنتظم، وعلم تام باتجاهات السياسة المالية، التي لا تزال تشكل أكبر ركائز الاقتصاد الوطني، وبما تمثله من وزن نسبي مرتفع يراوح بين 35 و40 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي.
أكدت وزارة المالية في أحدث بيان ميزانية صدر لها مطلع الربع الأخير من العام المالي الراهن، أن سعيها الحثيث، يستهدف رفع كفاءة الإنفاق الحكومي، وتحقيق مزيد من تمكين القطاع الخاص. ففي المرحلة، التي تركز الحكومة على تنمية ورفع معدلات نمو الناتج المحلي غير النفطي، بما يمثله كمقياس رئيس للنشاط الاقتصادي المحلي، ومدى قدرته على توفير فرص العمل أمام المواطنين والمواطنات في الاقتصاد، والقطاع الخاص على وجه الخصوص، إلا أنها أيضا وضعت في أولويات سياساتها الاقتصادية، الأهمية القصوى للمحافظة على الاستقرار المالي والاستدامة المالية، بالاعتماد على تعزيز الانضباط المالي، واستمرار العمل على رفع كفاءة الإنفاق التشغيلي والرأسمالي.

التحول تحت مظلة عديد من التحديات التنموية
أمام الحجم الكبير والواسع من المتغيرات الدولية والمحلية، التي يمر بها الاقتصاد العالمي في ضوء الصراعات التجارية بين أقطابه الكبرى، وانعكاس تلك الصراعات على مختلف الأسواق العالمية، وعلى رأسها سوق النفط العالمية، وآثار ذلك على الدخل المتحقق للميزانية العامة للدولة، بما يمثله من أهمية ووزن كبير في حصيلة إجمالي الإيرادات الحكومية، وانتقال ذلك الأثر على مستويات الإنفاق الحكومي (التشغيلي، والرأسمالي)، والتزام الحكومة بالمحافظة على المستوى الكافي واللازم من الإنفاق الداعم للاستقرار الاقتصادي، والملبي لاحتياجات ومتطلبات المجتمع بشرائحه كافة، ودون الإخلال بكفاءة الإنفاق، واقتران كل ذلك محليا بعديد من المتغيرات ذات العلاقة باستمرار وتيرة الإصلاحات الهيكلية، التي بدأت منتصف 2016، وضرورة التزامها بالمسار طويل الأجل حتى نهاية 2030، وما رافقه من ارتفاع لحجم التحديات، التي يواجهها القطاع الخاص كرافد يستهدف رفع مساهمته في الاقتصاد الوطني لنحو 60 في المائة، إضافة إلى بذل الجهود والموارد اللازمة لمساعدة مختلف شرائح المجتمع على امتصاص آثار التحولات الراهنة، إضافة إلى أي آثار محتملة قد تنتج عن بقية المتغيرات الخارجية (حساب المواطن، والبدل المالي للتضخم).
تؤكد المعطيات الراهنة، وفقا لما تقدم ذكره أعلاه، ضرورة النظر إلى تلك المتغيرات بشكل شامل وواسع، ودون إغفال أي منها للفهم الدقيق للتطورات الجارية على الأرض خلال الفترة الراهنة، وأنها في المجمل عدا أنها تحولات جذرية يجري العمل خلال الفترة الراهنة على الانتقال بالاقتصاد الوطني برمته، من الاعتماد المفرط على دخل النفط وما ترتب عليه من تشوهات سابقة، عايشها الاقتصاد طوال نصف قرن مضى، أنها أيضا جاءت بالتزامن مع ارتفاع درجات المخاطر لدى الاقتصاد العالمي، وبالتزامن مع ضعف معدلات نمو الاقتصادات المتقدمة عموما، التي تعد من أكبر الشركاء التجاريين للاقتصاد السعودي، وهو ما ترك بكل تأكيد آثاره العكسية على الجميع دون استثناء، وليس هذا تبريرا بقدر ما أنه إضافة مهمة للإطار العام، الذي تتم من خلاله مشاهدة ما يجري على أرض الواقع محليا وخارجيا.
وعلى الرغم من كل ذلك، نجد أن البرامج والسياسات المحلية انتهجت آلية تحمل قدرا كافيا من المرونة، ودون الإخلال بالأهداف النهائية، سواء الخاصة ببرامج التحول الوطني، أو بتلك المرتبطة برؤية المملكة 2030، واندفعت إلى دعم وتحفيز عموم منشآت القطاع الخاص، مع التركيز على المنشآت الصغيرة والمتوسطة، بتكلفة وصلت إلى أعلى من 200 مليار ريال حتى 2020، واندفعت أيضا نحو دعم حزم الأمان الاجتماعي والاقتصادي لمختلف شرائح المجتمع، بهدف تخفيف حدة الصدمات المحتملة، سواء لآثار التحول والإصلاحات، أو لأي متغيرات خارجية، والتركيز بدرجة أكبر على الشرائح الأدنى والمتوسطة من حيث مستوى الدخل.
الميزانية العامة للدولة 2020
إن قراءة وفهم الميزانية العامة للدولة للعام المقبل، ولما سيأتي بعده من أعوام مالية وفق المنظور الموضح أعلاه، سيضع القارئ لها في موقف أفضل وأوسع وأشمل، التي تأخذ في الحسبان خضوع الاقتصاد الوطني لعمليات واسعة جدا وجذرية من التحول، التي عادة ما تقترن بكثير من الآثار المؤلمة اقتصاديا واجتماعيا، وتم العمل على اتخاذ أكبر قدر ممكن من الخيارات الهادفة لامتصاصها، والتخفيف من حدتها، إضافة إلى اقترانها بمحيط عالمي متقلب وغير مستقر، ويعاني كثيرا ارتفاع درجات المخاطر وضعف معدلات النمو، إضافة إلى انكشاف عموم أسواقه العالمية على كثير من الصدمات والمتغيرات المفاجئة من وقت إلى آخر.
جاءت الميزانية العامة محافظة على نموها الإيجابي للعام الثالث على التوالي في جانب إجمالي الإيرادات بمعدل 8 في المائة، وكذلك الأمر في جانب إجمالي المصروفات الحكومية بمعدل نمو سنوي إيجابي، شكلت معه نحو 35 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي. اقترن ذلك بمزيد من السيطرة على العجز المالي، الذي تم تقديره بما لا يتجاوز 4.7 في المائة الناتج المحلي الإجمالي، وبحجم دين عام لا يتجاوز 24 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي.
أثمر ذلك عن تحقق معدل نمو حقيقي للاقتصاد الوطني بلغ نحو 1.1 في المائة، ونمو القطاع غير النفطي من الاقتصاد الوطني بنحو 2.5 في المائة، وقدرة القطاع الخاص على النمو بنحو 2.9 في المائة، مدعوما بسياسات التحفيز والدعم، التي وجدها خلال العام الجاري.
وبالنظر إلى تقديرات الموازنة للعام المقبل، تستهدف السياسة المالية عدم تجاوز العجز المالي سقف 6.5 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي (187 مليار ريال)، ثم 5.0 في المائة من الناتج المحلي بنهاية 2021 (151 مليار ريال)، واستمرار العمل على خفضه حتى نهاية 2022 ليستقر عند 2.9 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي (92 مليار ريال)، بما يضمن الاستقرار والاستدامة المالية، والمحافظة على التوازن المالي في الأجل المتوسط، ووفقا لذلك يقدر ألا يتجاوز سقف الدين العام خلال العام المقبل مستوى 754 مليار ريال (26 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي)، ثم إلى 848 مليار ريال بنهاية 2021 (28 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي)، وأن يصل إلى 924 مليار ريال بحلول 2022 (29 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي).
كما أشارت تقديرات الميزانية العامة إلى إمكانية وصول إجمالي الإيرادات بنهاية 2020 إلى نحو 833 مليار ريال، وأن ترتفع بوتيرة أدنى إلى 839 مليار ريال بنهاية 2021، وأن تستقر بنهاية 2022 عند مستوى 863 مليار ريال، ورغم انخفاض التقديرات مقارنة بالعام السابق، إلا أنها تتوقع ارتفاع الإيرادات غير النفطية بمعدلات إيجابية طوال الأعوام القليلة المقبلة. أما على جانب المصروفات الحكومية، فيتوقع أن تستقر بنهاية 2020 عند مستوى 1020 مليار ريال، وتتراجع خلال 2021 إلى مستوى 990 مليار ريال، ثم إلى مستوى تقديري يبلغ 955 مليار ريال بنهاية 2022. عكس إعلان الميزانية العامة للدولة التزام الحكومة بالسيطرة على معدلات العجز والدين العام، وتنمية الإيرادات غير النفطية، وتقليل الاعتماد على النفط، واقتران كل ذلك برفع كفاءة الإنفاق الحكومي، وتحقيــق أعلــى عائــد اقتصــادي ممكن، واستمرار العمل علـى مواجهـة مختلف التحديـات التنموية، بالاعتماد على تنفيـذ مجموعـة مـن المبـادرات علـى جانبـي المصروفات والإيرادات عبر رفــع كفــاءة الإنفــاق وتوجيــه الإعانات لمســتحقي الدعــم، إضافة إلى تطبيــق عــدة مبــادرات أخرى، كتطبيــق الضرائــب الانتقائية، وضريبــة القيمــة المضافــة، وتحصيل المقابــل المالــي علــى الوافديــن، إضافة إلــى إجــراءات تصحيــح أســعار الطاقــة، التــي تســمح بإعــادة توجيــه الدعــم نحو الشرائح المستحقة له فعليا.

سمات

الأكثر قراءة