الذهب مرشح للارتفاع إلى 1800 دولار للأونصة
رجح محللون غربيون استمرار صعود أسعار الذهب خلال الفترة المقبلة بعدما تماسك فوق 1600 دولار للأونصة في الأسواق العالمية، مستبعدين في الوقت ذاته وصول الأسعار في الوقت الراهن على الأقل إلى مستوى 5000 دولار، متوقعين أن تراوح الأسعار بين 1800 و2000 دولار للأونصة خلال الربع الرابع من العام الجاري.
في منتصف العام الماضي وخلال مقابلة صحافية لقناة "بلومبيرج" الإخبارية مع الملياردير توماس كابلان رئيس مجلس إدارة ورئيس الاستثمار في إيليكتروم جروب، أعرب عن تفاؤله بشأن الأسعار المستقبلية للذهب، وتوقع حينها أن تراوح الأسعار خلال عقد من الزمان بين 3000 و5000 دولار للأونصة.
ولأن تلك التقديرات جاءت في وقت كانت فيه أسعار الذهب تحلق حول 1270 دولارا للأونصة، وتقاوم الصعود إلى حدود 1300 دولار، فإن كثيرين نظروا إلى تلك التقديرات على أنها تدخل ضمن نطاق التفاؤل المفرط، معتبرين أن التطورات على الأرض لا تؤيدها ولن تدعمها.
اليوم يبدو المشهد مختلفا تماما، فتحذير شركة أبل الأمريكية بشأن التأثير السلبي لتفشي فيروس كورونا في مبيعاتها، أثار موجة من ردود الفعل القلقة بشأن مستقبل الاقتصاد الدولي، ودفع المستثمرين للبحث عن ملاذات آمنة لاستثماراتهم، والتكالب على الأصول منخفضة المخاطر، والنتيجة زيادة الطلب على الذهب، فقفزت الأسعار 1 في المائة لتصل إلى أعلى مستوى منذ 2013، ليتجاوز سعر الأونصة المستوى المهم 1600 دولار يوم الثلاثاء، ثم واصل قفزاته أمس عند 1611.45 دولار للأونصة.
كانت تلك الزيادة كفيلة باستدعاء تعليقات الملياردير توماس كابلان لواجهة الأحداث مجددا، ليطرح السؤال من جديد هل يمكن أن يحقق الذهب هذا العام قفزات سعرية ضخمة؟ وأن يصل بالفعل إلى 5000 دولار للأونصة؟
ويشير هال دلن المحلل المالي في بورصة لندن والخبير في تطورات سوق الذهب، إلى أن ارتفاع الأسعار إلى مستوى 1600 دولار كان كفيلا بأن تغلق أسهم شركات مناجم الذهب في البورصات العالمية بمكاسب تصل إلى 10 في المائة.
ويضيف لـ"الاقتصادية"، أن "المحفزات الراهنة تصب جميعها في مصلحة ارتفاع متواصل في أسعار الذهب خلال الفترة المقبلة، فالأسعار بصفة عامة تشهد اندفاعا للأعلى منذ أواخر 2019، ومع المخاوف المتزايدة بشأن الآثار العالمية المترتبة على فيروس كورونا، الذي تسبب في مقتل مئات الأشخاص، وتوقف بعض قطاعات الاقتصاد الصيني عن الإنتاج، انعكس إيجابا على الطلب على المعدن النفيس".
ولكن ما علاقة تفشي فيروس كورونا بالطلب على الذهب؟، يجيب هال دلن قائلا: "بشكل مباشر لا يوجد علاقة بين الجانبين، باستثناء أن "كورونا" يقلل طلب بعض الصناعات على الذهب، لأن بعض الصناعات الإلكترونية تستخدم الذهب، ولأن جزءا من المصانع الإلكترونية في الصين أغلق، فإن الطلب على الذهب انخفض، وهذا يعني انخفاض أسعار الذهب وليس ارتفاعه".
لكنه يواصل أن العلاقة بين فيروس كورونا والذهب تكمن في حالة القلق وعدم اليقين، التي أحدثها تفشي المرض في الاقتصاد العالمي، فالمستثمر لا يكره أو يقلق من شيء قدر كراهيته من عدم اليقين الاقتصادي، والنتيجة أن أغلب كبار المستثمرين في العالم اتجهوا للذهب باعتباره الملاذ الآمن، ومن ثم ازداد الطلب على المعدن النفيس.
هذا المنطق التحليلي يدفع بكثير من الخبراء إلى توقع ارتفاع أسعار الذهب هذا العام، ويعزز قناعتهم مجموعة أخرى من العوامل ترتبط في جزء منها بعدم اليقين في عدد من القضايا الاقتصادية الدولية المهمة.
واحدة من تلك القضايا العلاقة المستقبلية بين الاتحاد الأوروبي وبريطانيا، فالأمر لا يتوقف عند حدود التعريفات الجمركية المستقبلية بين الطرفين، إذ إن الأمر أكثر عمقا وتعقيدا من ذلك، ويرتبط بصياغة علاقة طويلة الأمد بين بريطانيا خامس أكبر اقتصاد في العالم، والاتحاد الأوروبي أكبر مجموعة اقتصادية متحدة في العالم.
وفي هذا السياق، يقول لـ"الاقتصادية"، وليم نورث نائب المدير التنفيذي لاتحاد السبائك، إنه منذ قررت بريطانيا الخروج من الاتحاد الأوروبي 2016، فإن أسعار الذهب ارتفعت 6.5 في المائة، مضيفا بأنه إذا لم يفلح الاتحاد الأوروبي وبريطانيا في التوصل إلى اتفاق تجاري ووقع انفصال عنيف بين الطرفين، وترافق ذلك مع انخفاض أسواق الأسهم وتراجع عائدات السندات، فإن الطلب على الذهب سيشهد اندفاعا كبيرا من قبل المستثمرين، بما يمكن أن يؤدي إلى زيادة الأسعار بنحو 260 في المائة ليصل سعر الأونصة إلى 5000 دولار للأونصة.
ويدخل ضمن محفزات ارتفاع أسعار الذهب هذا العام مخاوف صندوق النقد الدولي من أن يضرب الركود الاقتصادي عددا من الاقتصادات الكبرى مثل ألمانيا والمملكة المتحدة، في ظل البيانات المثيرة للقلق خلال الأشهر القليلة الماضية، يضاف إلى ذلك أن غبار الحرب التجارية بين الولايات المتحدة والصين لم ينقشع تماما، وهي حرب كلفت الاقتصاد العالمي ما يعادل 455 مليار دولار حتى الآن.
ولا شك أن الطلب على الذهب سيرتفع وستزيد معه أسعار المعدن النفيس، وإذا فشلت الجولة المقبلة من المحادثات الأمريكية – الصينية، سيلجأ المستثمرون إلى أصول الملاذ الآمن لتفادي تقلبات السوق العالمية.
ويساند هذا التفاؤل تجاه أسعار الذهب في 2020، الدكتوره إليزابيث آندرسون أستاذة الاقتصاد الدولي في جامعة بروملي، إذ تعتقد أن المعدن النفيس يواجه أوضاعا إيجابية للغاية عام 2020 في ظل التطورات المتوقعة بالنسبة لأسعار الفائدة.
وتضيف لـ"الاقتصادية"، أن "خفض أسعار الفائدة يعني تخفيض العملة، ما يجعل الذهب أكثر جاذبية، وهناك عديد من المؤشرات على اتجاه عام لخفض أسعار الفائدة، ما يؤشر لاحتمال زيادة الطلب على المعدن الأصفر".
ولكن هل يعني هذا التفاؤل بشأن الطلب المحتمل على الذهب أن تصل الأسعار إلى 5000 دولار للأونصة؟
يستبعد والترز مرشانت الخبير في مجال تجارة الذهب والمحلل المالي في بورصة لندن، أن يصل السعر إلى هذا المستوى، إذ يعتقد أنه مبالغ فيه، وأن المحفزات الراهنة على قوتها لا يمكن أن تدفع إلى زيادة بهذا المقدار.
ويضيف لـ"الاقتصادية"، أن المؤشرات الراهنة تدفع الذهب للأمام، ومن المرجح إذا تواصلت المحفزات الراهنة في دفع السوق أن يراوح السعر بين 1800 و2000 دولار للأونصة خلال الربع الرابع من عام 2020، أما السعر الواقعي فهو 1897 دولارا".
ومع هذا، يشير مرشانت إلى أن الذهب قد يظل حول سعره الراهن، إذا تراجعت قوة بعض المحفزات، مثل توصل الاتحاد الأوروبي وبريطانيا إلى اتفاق أو أن يتم اكتشاف دواء يسمح بالتصدي لفيروس كورونا، إذ سيضع ذلك حدا للمخاوف الراهنة من الفيروس وتأثيرها السلبي في الاقتصاد العالمي، ويضع حدا نسبيا للطلب على المعدن النفيس.