التحفيز الاقتصادي في ظل «كورونا»
تتحرك الكتل السياسية على الساحة الأمريكية من أجل حصر الأضرار الناجمة عن انتشار وباء "كورونا" في الاقتصاد الأمريكي. وفي الواقع تحركت حكومات عديدة لدعم وتحفيز اقتصاداتها في الآونة الأخيرة، بما في ذلك دعم المشاريع التي تضررت من جراء الوباء، ولا سيما في قطاع الشركات الصغيرة والمتوسطة. وقبل أيام قليلة خصصت بريطانيا، مثلا، مليارات الجنيهات الاسترلينية لدعم اقتصادها، وهكذا فعلت دول أخرى، خصوصا في ظل الحديث عن إمكانية اتساع الرقعة الزمنية للقضاء على "كورونا"، بما في ذلك تأخر الوصول إلى لقاح حتى الآن. أي إن الساحة الاقتصادية الأمريكية والعالمية تعيش توترات كبيرة، في حين أن الأضرار بدأت بالظهور على السطح، كتلك التي ضربت الإنتاج والسياحة والنقل والتسوق وغير ذلك. بالطبع أقدم الاحتياطي الفيدرالي "البنك المركزي" أخيرا على خفض الفائدة في خطوة فاجأت الجميع، في إطار سعي هذا البنك إلى تحفيز الاقتصاد، على الرغم من أن الاقتصاد الأمريكي، وصل إلى مستويات جيدة منذ وصول الرئيس الأمريكي دونالد ترمب إلى السلطة. وبعيدا عن الصراع المعلن بين البيت الأبيض و"المركزي"، فإن انتشار وباء "كورونا"، ضرب أي أمل في أن يكون لخفض الفائدة أثر كبير في الحراك الاقتصادي. فما يتركه هذا الوباء على الساحة، "يأكل" أي عوائد في هذه الفترة الحرجة بالذات. وعلى هذا الأساس، كان لا بد للإدارة الأمريكية أن تتدخل لحماية اقتصاد الدولة، ولا سيما في أعقاب إعلانها حالة الطوارئ في البر الأمريكي كله. وهنا يأتي التحرك الراهن على صعيد الكونجرس الأمريكي لتوفير الدعم المالي، لتفادي مزيد من الخسائر الاقتصادية. بالطبع سيكون الدعم المزمع على الساحة الأمريكية في أشكال مختلفة، بما في ذلك التحفيز الضريبي الذي يشجع عادة على الاستهلاك، وهذا أحد العوامل الرئيسة لتحرك الاقتصاد، أي اقتصاد. ويرى المسؤولون الأمريكيون أن الأضرار الراهنة من جراء "كورونا" على الاقتصاد العالمي ككل، تختلف عن الأضرار التي نجمت من جراء الأزمة الاقتصادية العالمية التي انفجرت عام 2008. لأن تداعيات الأولى ستنتهي حتى وإن كان توقيتها غير معروف حتى الآن، في حين أن تداعيات الأخرى استمرت لأعوام عديدة. الحزمة المزمعة تستند إلى آليات كثيرة، لكن الأهم أن حجمها كبير جدا بالفعل، والوضع الاقتصادي المحلي يسمح للإدارة الأمريكية بإقرارها بسهولة، على عكس مخططات التحفيز التي أعقبت الأزمة العالمية المشار إليها. ستكون هناك مشاورات عديدة على الساحة السياسية، لكن يبدو أن "كورونا" وضع في الولايات المتحدة، كما في بقية العالم، معاييره الخاصة الاستثنائية. لا يمكن أن يترك الاقتصاد العالمي بلا دعم عملي وواقعي، خصوصا في ظل الهشاشة التي تضربه منذ فترة طويلة لأسباب مختلفة، بما فيها الحروب والمعارك التجارية التي لم تتوقف حتى اليوم. ما يجري بحثه حاليا هو توفير الدعم للاقتصاد العالمي بما يعادل 1.5 تريليون دولار، وهذا الدعم لا يزال يخضع للتجاذبات السياسية، بما في ذلك رفض الجمهوريين اقتراحا قدمه الديمقراطيون بهذا الخصوص. لكن في النهاية، لا بد لهم من التوصل إلى اتفاق عملي، لتقليل المخاطر الناجمة عن "كورونا" الجديد. هذا الوباء أظهر بالفعل أهمية التعاون ليس فقط بين الكتل السياسية في البلد الواحد؛ بل بين دول العالم مجتمعة. وعلى هذا الأساس، فإن أي تحفيز للاقتصاد الأمريكي سينعكس بصورة جيدة على الاقتصاد العالمي، خصوصا في فترة الأزمات الاقتصادية الدولية.