في مواجهة أزمتين .. اختلف التعاون الاقتصادي عالميا «2 من 2»
في الرد على تهديد وباء الفيروس التاجي للاقتصادات العالمية، ينصح صناع السياسة بعدم الاستهانة بالضرر الاقتصادي العالمي، المحتمل أن يتدفق من هذا الوباء. سيكون مهما لهم أيضا، التمييز بين ما هو خارج عن سيطرتهم، وما قد يكونون قادرين على التحكم فيه. في هذه المرحلة، ما يجب أن يكون واضحا، أن صناع السياسة لن يكونوا قادرين على منع حدوث ركود اقتصادي عالمي خلال الربعين المقبلين. ومع ذلك، ما زال يخضع إلى حد كبير لسيطرتهم، قدرتهم على تصميم وتنسيق السياسات الاقتصادية بطريقة قد تمنع الاقتصاد من الدخول في دوامة انكماشية.
حتى الآن ليس هناك مجال للشك في أن وباء الفيروس التاجي يتسبب في صدمة هائلة من جانب العرض لدول العالم. حرفيا وجود عشرات الملايين من العمال - ولا سيما في الصين وإيطاليا وإسبانيا، وأغلب الدول - يحد بشدة من النشاط الاقتصادي، ويعطل سلاسل التوريد العالمية بشكل كبير. وفي الوقت نفسه، يتم تقليص النقل الجوي، وإلغاء الفعاليات العديدة، السياحة ، الرحلات البحرية، وإغلاق المدارس والجامعات.
قبل اندلاع وباء فيروس كورونا في وقت مبكر من هذا العام، كان الاقتصاد العالمي يتباطأ إلى حد كبير؛ نتيجة الحرب التجارية بين الولايات المتحدة والصين. كانت الاقتصادات الكبرى مثل اقتصادات، ألمانيا، إيطاليا، واليابان في حالة ركود، بينما كانت اقتصادات الأسواق الناشئة الرئيسة مثل الصين، والهند وغيرها تعاني تباطؤا مفاجئا. حتى قطاع التصنيع في الولايات المتحدة كان في خضم الركود الناجم عن الحرب التجارية.
على هذه الخلفية، من الصعب أن نرى كيف أن صدمة جانب العرض للفيروس التاجي، لن تدفع قريبا الاقتصادات العالمية إلى ركود. يبدو أن هذا هو الحال، خصوصا بعد الانخفاض الأخير في أسعار الأسهم العالمية بنسبة 25 في المائة حيث قضى على 13 تريليون دولار من ثروة المستثمرين حول العالم.
يحتاج صانعو السياسة الاقتصادية العالمية، إلى إدراك أنه لا يوجد شيء كثير يمكنهم القيام به لوقف صدمة جانب العرض. لن تؤدي أي تخفيضات في أسعار الفائدة أو تخفيضات ضريبية أو زيادة في الإنفاق العام إلى منع وباء فيروس كورونا من إبقاء العمال في منازلهم وإبطال أنظمة النقل العالمية وإلغاء الفعاليات المختلفة وإزاحة سلاسل التوريد الدولية. لكن هناك كثير مما يمكن أن يفعله صانعو السياسة الاقتصادية، وينبغي لهم فعله لمنع آثار الجولة الثانية لصدمة جانب العرض من السماح للركود الاقتصادي القصير بالتحول إلى ركود اقتصادي عالمي كبير مثل ذلك الذي حدث في 2008 - 2009.
من بين آثار الجولة الثانية، التي يجب تعويضها من خلال تدابير السياسة المالية والنقدية القوية، الركود في الطلب الكلي الذي قد يكون تسبب فيه وباء الفيروس التاجي. على وجه الخصوص، ستحتاج السياسة النقدية والمالية إلى الاستفادة من التراجع في الاستهلاك، الذي سيحدث بسبب محو ما يقرب من 7.5 تريليون دولار من الأسهم العالمية. وفقا لتقديرات مجلس الاحتياطي الفيدرالي، فإن ذلك سينعكس على الاستهلاك ويؤدي إلى انخفاض أكثر من 1.5 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي. وقد دفع ذلك إلى لجوء عديد من البنوك المركزية خلال عطلة نهاية الأسبوع إلى تخفيض سعر سياسته إلى ما بين 0 و0.25 في المائة واتباع سياسة مالية توسعية مليارية، لتحقيق الاستقرارين المالي والنقدي.
نظرا إلى أن أسعار الفائدة الآن عند حدود الصفر تماما، فإن عبء مزيد من الدعم للاقتصاد يجب أن يأتي من السياسة المالية. على الأقل، سيحتاج الاقتصاد إلى إجراءات مالية هادفة، وفي الوقت المناسب لتحقيق الاستقرار في الاقتصاد.
إن بداية الركود الاقتصادي إلى جانب المشكلات الحادة في قطاعي النفط والنقل، لا بد أن تتسبب في حدوث موجة من حالات التخلف عن السداد لمنشآت القطاع الخاص. وهذا بدوره يجب التوقع بأنه يمارس ضغطا كبيرا على الأنظمة المالية العالمية. وضروري أن تتخذ قمة العشرين تدابير جريئة بالتنسيق مع البنوك المركزية الرئيسة الأخرى في العالم لمنع مثل هذه الضغوط من أن تؤدي إلى أزمة ائتمانية عالمية من شأنها أن توجه ضربة أخرى إلى الاقتصادات العالمية.
هناك تداعيات أخرى من الركود العالمي الناجم عن فيروس كورونا، فمن المحتم أن تنطوي على انعكاس حاد في تدفقات الاستثمارات بعيدا عن اقتصادات السوق الناشئة التي تعاني ضعفا في الاقتصاد أو تؤدي إلى ضغوط حقيقية على تلك الاقتصادات. سيتطلب التخفيف من هذا الضغط دعما فوريا على نطاق واسع من مجموعة العشرين والمنظمات المشاركة في الاجتماع، حتى لا تنعكس تلك المشكلات على الاقتصاد العالمي.
المملكة بدعوتها إلى اجتماع قمة استثنائي - افتراضي لـ"دول العشرين"، لمواجهة الآثار المترتبة على الأزمة، أدركت أهمية تنسيق السياسة الاقتصادية العالمية لمنع الاقتصاد من الدخول في دوامة انكماشية.