مستقبل المعروض النفطي في ظل سياسات الطاقة الجديدة

  إن مفاوضات تغير المناخ ومخرجات اتفاق باريس في 2015، عدلت توقعات مستقبل النفط إلى تباطؤ نمو الطلب والاستغناء تدريجيا عن النفط وفقا لسياسات الطاقة الجديدة التي تهدف للحفاظ على درجة حرارة الأرض تحت درجتين مئويتين. غير أنه يلوح في الأفق مخاطر حدوث صدمة في المعروض النفطي نتيجة تراجع الاستثمارات الرأسمالية الجديدة عن المستوى المقدر لتلبية الطلب المتوقع في 2025. هذا ما ذكرته وكالة الطاقة الدولية IEA في تقاريرها السنوية لــ"آفاق النفط عالميا". ورغم ذلك، فإن تقديرات آثار ذلك التباطؤ على المالية العامة للدول النفطية، التي حظيت بزخم إعلامي، بنيت على افتراض لم يحظ بالاهتمام ذاته، وهو "توازن السوق"، أي زيادة العرض مع كل زيادة في الطلب بشكل متزامن مع توافر مخزون كاف لضمان استقرار الأسواق عند النقص الطارئ للإمدادات. وهذا المقال يلقي الضوء على أهم تطورات جانب العرض بغرض تقييم صحة هذا الافتراض عند وضع التقديرات المستقبلية، مع استبعاد تطورات فيروس كورونا المستجد وآثاره الاقتصادية.

وفقا لإحصاءات IEA، فإن نحو 50 في المائة من إنتاج العالم يأتي من حقول بدأت في التناقص بعد بلوغها الذروة الإنتاجية، ويقابل ذلك توقع بنمو الطلب. وعليه، فإذا لم تحظ سوق النفط بالقدر الكافي من الاستثمارات الرأسمالية الجديدة لتعويض تناقص الإنتاج وتلبية زيادة الطلب، فإن خسارة المعروض في المدى المتوسط تقدر بـ 2.5 مليون برميل يوميا. في حين أن تلك الإحصاءات تؤكد تراجع الاستثمارات الجديدة منذ هبوط أسعار النفط في 2014. كما تشير تقديرات OPEC إلى أنه خلال الفترة 2017 - 2040 سيزيد العرض بـ 8.3 مليون برميل يوميا، بينما زيادة الطلب قدرت بـ 14.5 مليون برميل يوميا. وتجدر الإشارة إلى وجود تباين في التقديرات بين OPEC وIEA لأن الأولى تفترض استمرار سياسات الطاقة المطبقة حاليا. وعليه، فإن تحذير IEA من احتمال حدوث فجوة بين العرض والطلب في المدى المتوسط، يشير إلى الحاجة إلى تدارك الأمر بمضاعفة الاستثمارات في الفترة المقبلة لسد تلك الفجوة. لكن الهبوط الأخير في آذار (مارس) 2020 قد يفاقم المشكلة ويحد من قدرة المنتجين على فعل ذلك. كما أن مضاعفة الاستثمارات لن يكون كافيا، فعنصر الوقت مهم نظرا إلى عدم مرونة العرض النفطي في المدى القصير، فمشاريع إنتاج النفط التقليدي تحتاج إلى وقت يقدر بــ 3 - 6 أعوام تبدأ من حصول الموافقة على المشروع حتى بداية الإنتاج. كما لن يكون بمقدور النفط غير التقليدي سد العجز لضمان توازن السوق بمفرده. ونظرا إلى عدم مرونة العرض لن يستطيع المستثمرون سد العجز بزيادة الإنتاج مباشرة، لذا سيكون ارتفاع سعر النفط ردة الفعل الطبيعية لكبح جماح الطلب وتحفيز الاستثمار.
إن تحسن أسعار النفط شرط أساسي لجذب استثمارات رأسمالية جديدة. لكن أيضا التوقعات بتباطؤ نمو الطلب على النفط والتحول إلى مصادر جديدة للطاقة له أثر سلبي في القرارات الاستثمارية الحالية ومن ثم على المعروض مستقبلا، حيث إن التوقعات المستقبلية من أهم محددات الاستثمار. في المقابل، فإن الطلب على النفط يعد متغيرا مستقلا عن العرض وتحدده عوامل مختلفة عن محددات العرض. فلو افترضنا أن الكمية المعروضة من النفط بلغت "صفرا"، فستظل الحاجة إلى النفط قائمة طالما أنه المصدر الرئيس للطاقة في تشغيل المصانع ووسائل النقل والكهرباء وغير ذلك. عليه، فالمتوقع هو استمرار نمو الطلب النفطي كما هو مقدر رغم التراجع المتوقع في المعروض، ما ينذر باختلال توازن السوق ونشوء عجز في المعروض يدفع بالأسعار إلى مستويات أعلى من التقديرات المبنية على افتراض توازن السوق.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي