نحن و«كوفيد - 19» .. تأملات
نشهد هذه الأيام سطوا مسلحا على كل ما أنجزته البشرية، من عدو خفي لا يُرى بالعين المجردة، يملك قوة صماء، خشنة وغاشمة، غيّرت طريقة حياتنا بالكامل، وجعلتنا نتأمل كل شيء بشكل مختلف. إنها حرب الفيروسات البيولوجية؛ حرب فيروس الكورونا المستجد «كوفيد – 19».
انتشر الفيروس في العالم انتشار النار في الهشيم، وما زلت أتساءل: هل السبب في انتشاره أمر يرجع إلى طبيعة الفيروس، أو إلى تساهل الناس فيه في بادئ الأمر؛ بسبب ما أُشيع عن أن المتضررين من فيروس كورونا هم من أعمارهم تعدت الـ60، فظن صاحب الـ59 ربيعا خاطئا أنها ليست حربه، أم أن السببين كانا حاضرين؟
في ظرف أيام بسيطة، خلت الشوارع من الناس، انعزلت الدول عن بعضها، تأزم الاقتصاد العالمي، وعم القلق الأرجاء. وأصبحنا نعمل ونتعلم ونقضي أوقاتنا بالكامل في منازلنا؛ الأمر الذي أصابنا بلوعة الشوق إلى أماكن وأزمنة خارج الأماكن والأزمنة التي فرضها علينا «كوفيد – 19». وتعطلت كل أمور الحياة الطبيعية في تداعيات قد تبدو مجازية، لكنها ليست كذلك؛ بل هي واقعية بامتياز.
بحكم تخصصي، لطالما كنت وغيري من المتخصصين في الأمن السيبراني في حرب ضد الفيروسات الرقمية، التي تهدف إما لجني الأموال من خلال سرقة البيانات، أو للإضرار بالجهات بحجب خدماتها. نتصدى من خلال أدواتنا السيبرانية لهذه الفيروسات، لكن ماذا إذا وجدنا أن أحد الأجهزة مصاب بالفعل بأحد الفيروسات الرقمية؟
نقوم من خلال أدواتنا بالكشف على هذا الجهاز، والتأكد إن كان مصابا بالفعل بالفيروس، أم أن ذلك هو مجرد إنذار خاطئ؟ إن كانت النتيجة إيجابية، يتم عزل هذا الجهاز مباشرة عن بقية أجهزة الشبكة، وتبدأ عملية التحقيق لحذف هذا الفيروس وتتبع مصدره.
قد يبدو ما ذكرته مشابها للحرب التي نخوضها جميعا ضد فيروس كورونا المستجد، الحرب التي استهدفت البشرية بأكملها، وجعلتنا نفكر بعقلية المجتمع، ونستشعر مسؤوليتنا الاجتماعية في حرب أصبحنا جميعنا جنودا وصناع قرار فيها. نعم، كل شخص يقرأ مقالي الآن يملك القوة لتغيير مجريات الأحداث للمجتمع بأكمله سلبا أو إيجابا.
مرت البشرية بحروب مماثلة، وربما أكثر حدة، واستطاعت التغلب عليها. ولقد برهنت الإحصائيات اليومية لحالات «كوفيد – 19» نجاح التجربة السعودية في احتواء الأزمة والتعامل معها بكل حكمة، حتى تتكلل هذه الجهود بالنجاح، ينبغي إلينا الالتزام بالبقاء في منازلنا وعدم الخروج إلا في حالات الحاجة القصوى لتسهيل عمل القطاعات الأمنية والصحية التي هي في مقدمة صفوف الدفاع عنا.
ستعود الحياة حتما إلى طبيعتها وإن طالت المدة، وستفتح الجامعات والمدارس أبوابها، وسيعود الموظفون إلى العمل في مكاتبهم، لكني أتساءل هنا: تُرى، متى سيكون ذلك؟ وكيف ستكون ملامح حياتنا بعد انتهاء أزمة «كوفيد – 19» على مستوى الأشخاص والمؤسسات؟
على المستوى الشخصي، هل سنتوقف عن مصافحة أصدقائنا ونكتفي بالتحية التي تعلمناها من مدرسة كورونا؟ هل سنستمر في غسل وتعقيم أيدينا باستمرار، أم أن الإنسان مبرمج على النسيان، ولن يأخذ الأمر أكثر من أسبوعين بعد عودة الحياة الطبيعية حتى نعود لاحتضان الأصدقاء ونتوقف عن غسل الأيدي؟
ماذا عن جهات العمل في القطاعين العام والخاص؟ هل سيكون العمل عن بُعد "عادة" وجزءا رئيسا يتم تطبيقه في الجهات ولو بشكل جزئي، كمرة في الأسبوع؟ هل سيسهم العمل عن بُعد في إيجاد فرص وظيفية جديدة؟ هل سيتم تعديل "خطة إدارة الكوارث والأزمات" في إدارات الأمن السيبراني لتتضمن سياسات وإجراءات التعامل مع الفيروسات البيولوجية أيضا، وما يصاحب ذلك من مشكلات في الشبكة ومخاطر سيبرانية حتى لا يشملهم التاريخ بممحاته القاسية؟