استنزاف المخالفين وكورونا
كي يقوم الاقتصاد في أي بلد، يجب أن يحتوي على العناصر الإنتاجية "العرض" أو جزء منها وهي رأس المال، العمالة والأرض، ومن ناحية أخرى كي يكون الاقتصاد قويا وحيويا يجب أن يكون مستهلكا "طلب"، لدينا في السعودية عديد من هذه العناصر، لكن لم يستفد منها بشكل أفضل، ولهذا تهدف الرؤية إلى تمكين العناصر جميعها ورفع القدرات في الاقتصاد، حيث تعمل أدوات الإنتاج على إيجاد منتجات أو خدمات وهذه المنتجات والخدمات تأخذ أحد المسارين، الأول وهو الأهم التصدير وبالتالي جلب عملة "دولار أو يورو أو أي عملة صعبة" تعزز الاقتصاد والميزان التجاري، وبالتالي تعطي الريال قوة، والثاني هو تغطية طلب محلي بدل أن يغطى عبر الاستيراد والدفع إلى المورد الأجنبي بالعملة الصعبة، و"تغطية الطلب المحلي" تؤدي إلى حفظ مدخرات الدولة والاقتصاد من العملة الصعبة وعدم الضغط على الميزان التجاري وتعزيز الاستثمار والتوظيف لتغطية هذا الطلب المحلي.
إذا فهمنا هذه المعادلة البسيطة واستطعنا استحضارها عند تقييم كل شيء بالاقتصاد خصوصا من عناصر الإنتاج، فسنستطيع تحسين كثير من القرارات ورؤيتنا للوضع عموما، كذلك على الجانب الاستهلاكي، فهو أمر مطلوب كي يقوم الاقتصاد فدون الطلب لن يوجد عرض ولن يوجد استثمار ولن يوجد توظيف، لكن هناك جانب سلبي للاستهلاك وهو عندما يكون الاستهلاك مركزا على ما هو منتج خارج البلد "وهو الأغلب بالنسبة لنا" فهذا يعني خروج أموال كبيرة من العملة الصعبة التي حصلنا عليها من العناصر الإنتاجية التي ذكرت سابقا، ويكون الاستهلاك إيجابيا إذا غُطي من مصادر إنتاج داخل البلد فستزيد من الاستثمارات فيه وتزيد التوظيف وفي النهاية تحافظ على الكتلة النقدية وتزيد معدل دورانها داخل الاقتصاد.
هذه هي المفاهيم الأساسية لنجاح الاقتصاد ويجب الحفاظ على التوازن بينها بعناية، وتم ذكرها لنفهم الخلل الحاصل حاليا في هذه المعادلة من قبل أحد المكونات في العناصر الإنتاجية، وزاد الحديث عنه بعد تفشي فيروس كورونا، وهو العمالة، لدينا في السعودية عدد كبير من الوافدين "بحدود 13 مليونا" وأغلبهم يعملون عبر عقود وبشكل نظامي وبالتالي يفترض أن لهم قيمة إنتاجية في منشآتهم "بعيدا عن النقاش حول توطين هذه الوظائف" وهناك على الجانب الآخر وافدون يوجدون بشكل غير نظامي وهؤلاء هم المشكلة بالدرجة الأولى، فعليا هؤلاء يمارسون دور استنزاف للموارد دون قيمة إنتاجية أو حتى استهلاكية، كيف؟
عمل هؤلاء في الأغلب هو في ممارسات مخالفة وأساسا غير منتجة والأهم من ذلك وجودهم لا يزيد الطلب أو الاستهلاك؛ بل الأسوأ أنهم يقومون بتحويل جميع ما يحصلون عليه من هذا البلد إلى الخارج عبر طرق عدة، وبالتالي المحصلة من وراء وجودهم هي بالسالب على الاقتصاد واستنزاف لأموال البترول عند تحويلهم الريال إلى الدولار "عبر الاستفادة من دعم المملكة للريال أمام الدولار من خلال الاحتياطيات الأجنبية" واستنزاف مدخرات الدولة، هذا غير المشكلات الأمنية والاجتماعية من وجودهم.
طبعا، أنا سأعيد وأكرر أنا أقصد الوافدين غير النظاميين ولا أتكلم عن النظاميين، فعلى العكس وجودهم معزز للبلد والاقتصاد، خصوصا من يقومون بأدوار مهمة سواء من أطباء وعلماء ومهنيين وعمالة البناء والنظافة، وأغلبهم "خصوصا من ذوي الدخل الجيد" يوجدون مع أسرهم، ما يجعلهم مستهلكين مثل المواطنين، وبالتالي جزء مهم من الاقتصاد عبر إعطائهم دورا منتجا ونافعا للبلد وعبر إنفاقهم جزءا من رواتبهم، على العكس تماما من غير النظاميين.
ولعل ما زاد الطين بلة، هو انتشار الفيروس بين تجمعات العمالة "كثير منهم مخالفون"، خصوصا في مكة المكرمة وقيام الدولة بعمل إنساني عظيم بمعالجتهم، وهي تكاليف باهظة الثمن، فضلا عن زيادة حرص الدولة بزيادة إجراءات الحجر بسبب هذا التفشي وبالتالي زيادة التكاليف الاقتصادية، كل هذا يؤدي إلى استشعار أهمية معالجة هذا الخلل عبر إجراءات قوية لفك أماكن تجمعاتهم، وبعدها معالجة وجودهم داخل البلد بما تراه الدولة مناسبا، لكن الأكيد أن هذه الأزمة كشفت بعدا آخر لمشكلات هؤلاء غير النظاميين.