صدمة أبريل النفطية .. يومان في التاريخ

مع الانخفاضات الحادة في الخام القياسي في كل من، نيويورك ولندن بعد يوم واحد من هبوط تاريخي أرسل أسعار النفط الأمريكية إلى المنطقة السلبية لأول مرة على الإطلاق. احتمال تجاوز العرض الطلب، أدى إلى يومين من أعنف أيام تداول النفط في التاريخ، ومع استمرار منتجي الطاقة في خفض عدد الحفارات للتنقيب عن النفط في الولايات المتحدة وكندا. بقي كل من خام برنت ومؤشرات الخام الأمريكية في مستوى منخفض حيث استقر النفط الأمريكي عند 16.94 دولار للبرميل. وجرى تداول خام برنت عند 21.65 دولار. تراجعت أسعار النفط الأمريكي 25 في المائة تقريبا يوم الإثنين 27 نيسان (أبريل)، وسط مخاوف من امتلاء مخازن النفط في جميع أنحاء العالم مع استمرار انتشار جائحة الفيروس التاجي في تآكل الطلب. هذه صدمة نيسان (أبريل) النفطية ويعود ذلك إلى مجموعة من العوامل:
1 - انخفاض سعة تخزين الخام الأمريكي في وقت انتهاء العقود الآجلة لأيار (مايو)، في 21 نيسان (أبريل) حيث إن المحطة الرئيسة للمخزون التجاري في كوشينج، أوكلاهوما، اقتربت من سعتها الكاملة. ما أدى إلى انخفاض الطلب على النفط. ونتيجة لذلك قام المضاربون بالعقود الآجلة الذين لا يرغبون في الحصول على النفط بشكل عيني، بل يحققون الأرباح فقط بالمتاجرة بالعقود. تمديد العقود الآجلة إلى شهر مقبل، ودفع مبلغ إضافي لهذا التمديد، وفي الوقت نفسه ومع انخفاض الطلب على النفط الصخري أصبح المنتجون في الولايات المتحدة يدفعون المال لتخزين نفطهم. إضافة إلى انخفاض الطلب على الخام في مصافي الولايات المتحدة، ما أدى إلى تفاقم تخمة المعروض هناك.
2 - أحد العوامل وراء الفرق في السعر بين أسعار النفط الأمريكي والمؤشر العالمي "برنت" الذي يستخدم معيارا لتسعير ثلثي إنتاج النفط العالمي، هو أن مرافق كوشينج، أوكلاهوما، غير ساحلية، ولا يمكن الوصول إليها إلا عن طريق خط الأنابيب، في حين يمكن الوصول إلى إمدادات "برنت" عن طريق السفن وتخزينها هناك في شمال غرب أوروبا، أو وضعها في مرافق في جميع أنحاء العالم. حيث إن المستثمرين الذين يراهنون على انتعاش أسعار النفط في نهاية المطاف يملأون ناقلات النفط - بما يصل إلى مليوني برميل للسفينة - ويوقفونها في عرض البحر.
3 - إن انهيار أسعار النفط الخام الأمريكية إلى المنطقة السلبية في 20 نيسان (أبريل) أفزع المستثمرين. فعادة يتم تحديد أسعار النفط بعقود مستقبلية شهرية، مع تأمين على الشهر المقبل - المعروف باسم "عقد الشهر الأول" - كمعيار قياسي للأسعار. حاليا هذا العقد للنفط الذي سيتم تسليمه في حزيران (يونيو). مع قيام المستثمرين بتوزيع استثماراتهم على العقود التي تنتهي في وقت لاحق من العام، جزئيا بسبب القلق من أنهم سيشهدون تكرارا لتراجع الأسبوع الماضي، فإن سعر عقد حزيران (يونيو) آخذ في الانخفاض. حيث يتم تداول عقد الشهر الأول في الواقع بشكل ضعيف للغاية مقارنة بما كان عليه قبل شهر.
4 - أصبحت الولايات المتحدة أكبر منتج للنفط في العالم. حيث إن منتجي الصخر الزيتي في الولايات المتحدة لم يوقفوا الإنتاج بعد. بلغ إنتاج النفط الأمريكي نحو 13 مليون برميل يوميا في آذار (مارس)، ولا يزال عند 12.3 مليون برميل الأسبوع الماضي، ما يعني أن الاقتصاد في ولايات مثل، تكساس ونورث داكوتا ولويزيانا يحتاج إلى أسعار نفط أعلى - وليس أقل - لإبقاء الشركات في العمل. تكاليف إنتاج منتجي النفط في الولايات المتحدة أعلى بكثير من المنافسين الكبار في سوق النفط، لذلك يحتاجون إلى سعر نفط بنحو 40 دولارا للبرميل.
5 - أفادت بيانات من شركة تحليلات النفط فورتيكس أن كمية المنتجات النفطية الرئيسة المحتفظ بها حاليا في مخزونات عائمة في أنحاء العالم زادت إلى أكثر من المثلين في الشهر الفائت إلى نحو 68 مليون برميل. وقالت فورتيكس، إن الرقم يشمل البنزين والديزل ووقود الطائرات في 22 نيسان (أبريل) مقارنة بنحو 30 مليون برميل في الشهر السابق.
6 - ارتفاع تكلفة أسعار الناقلات الحاملة للنفط، نتيجة الضائقة في المخزونات. قفزت معدلات توظيف ناقلات النفط قفزة كبيرة ووصلت إلى مستوى غير مسبوق. ووفقا لـCNBC، قفز متوسط تكلفة استئجار ناقلات النفط الكبيرة إلى 150 ألف دولار في اليوم خلال نيسان (أبريل) مقارنة بـ30 ألف دولار قبل بداية أزمة الفيروس التاجي.
7 - السبب الذي يقع خلفية للأسباب جميعها أعلاه، هو الآثار الاقتصادية لوباء الفيروس التاجي، وما أعقب ذلك من توقف للنشاط الاقتصادي في معظم أنحاء العالم، الأمر الذي أدى إلى انخفاض الطلب العالمي على النفط.
لا يزال هناك كثير من النفط في السوق العالمية، رغم الاتفاق التاريخي الذي تم التوصل إليه هذا الشهر بين السعودية وروسيا والولايات المتحدة ومنتجي النفط الكبار الآخرين للحد من الإنتاج. فإنه عند تنفيذ تلك الاتفاقية، يمكن أن تزيل من تسعة ملايين برميل يوميا إلى ما يصل إلى 20 مليون برميل يوميا من السوق، ابتداء من أيار (مايو)، إضافة إلى أن المنتجين يدرسون بالفعل اتخاذ مزيد من الخطوات، ووفقا لـ"إدارة معلومات الطاقة الأمريكية،" فإن منتجي الصخر الزيتي في الولايات المتحدة يقتربون بسرعة من النقطة التي سيضطرون فيها إلى وقف الإنتاج، حيث نزل عدد الحفارات النفطية العاملة في الولايات المتحدة إلى أقل مستوى منذ تموز (يوليو) 2015، كما تراجع إجمالي عدد حفارات النفط والغاز في كندا إلى أقل مستوى منذ 2000، بحسب بيانات بيكر هيوز. ما سيؤثر في جانب العرض في السوق. وفي الصين، حيث بدأ تفشي الفيروس التاجي في أواخر العام الماضي، قال محللون، إن مبيعات الوقود سترتفع في الربع الثاني حيث تخفف بكين من القيود لاحتواء الوباء. إضافة إلى توجه عديد من الدول إلى البدء في فتح اقتصاداتها في أيار (مايو) 2020، ما سينعكس على الطلب على النفط.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي