وزير المالية ومرحلة شد الأحزمة
التصريحات التي أدلى بها محمد الجدعان وزير المالية في الأسبوع الماضي لقناة العربية، كانت مثار اهتمام من جميع وسائل الإعلام المحلية والإقليمية والدولية، حيث أحدثت ردود أفعال متباينة في أوساط المحللين والمهتمين بالشأن المالي والاقتصادي السعودي، باعتبار المملكة دولة ذات أهمية اقتصادية واستراتيجية، وأكبر دولة منتجة ومصدرة للنفط على مستوى العالم.
فالبعض يرى أن استخدام تحذيرات مباشرة عن الاقتصاد السعودي في مرحلة ما بعد جائحة كورونا، جاء نتيجة أن جميع الاقتصادات تعرضت لهزات وتسجيل تراجعات، بسبب صدمات انتشار هذا الفيروس القاتل، وتعطل حياة الناس وحركتهم.
والبعض الآخر يرى أن المصارحة هي المقدمة الموضوعية المهمة للإصلاح والدخول مباشرة في عمليات إعادة البناء، ولا سيما أن الاقتصاد الدولي عامة، وليس فقط الاقتصاد السعودي سيدخل مرحلة من أصعب مراحل تاريخه الحديث.
والحقيقة أن المواطن السعودي ــ في كل الأزمات الاقتصادية السابقة ــ كان يستمع إلى مجموعة من التلطيفات التي تجعله يقبل على السوق السعودية برباطة جأش، ويقبل على زيادة الاستثمار بروح تتمتع بشيء كبير من التفاؤل.
وكانت صراحة الوزير الجدعان واضحة وذات شفافية كبيرة، وقناعة وشجاعة معهودة لتمليك الحقائق للجميع، وأكد أن الحكومة ستتخذ مجموعة إجراءات شديدة ومؤلمة، كذلك أكد الوزير بصورة رسمية، أن الحكومة تتجه نحو مرحلة (شد الأحزمة) لتقليص نفقاتها العامة في ظل التداعيات الحالية، التي يشهدها العالم بما فيها الاقتصاد السعودي، الذي لا يزال يعتمد بشكل كبير على عائدات النفط، الذي تعاني أسعاره انخفاضا كبيرا بسبب تأثيرات جائحة كورونا. كما أن المملكة ملتزمة بمواجهة الأزمة الجارية ما يجعل خيارات تخفيض النفقات مفتوحة على بنود الميزانية لتخفيف العجز، وقد تكون الإجراءات شديدة ومؤلمة لكنها ضرورية في ظل عدم وجود منظور زمني واضح لانتهاء أزمة كورونا وتداعياتها، ولكن الوزير استدرك قائلا: بإذن الله سنخرج من هذه الأزمة أكثر قوة. لقد انخفضت الإيرادات بشكل كبير جدا، حيث بدأنا العام المالي وكانت أسعار النفط في حدود 60 دولارا للبرميل، بينما سعر البرميل بعد جائحة كورونا وصل إلى 20 دولارا، وطبعا هذا الانخفاض الكبير سيؤدي إلى انخفاض كبير في الإيرادات، كما أن الإيرادات غير النفطية تأثرت بالأجواء التي أحدثها الوباء على كل المستويات.
لذلك تستعد المملكة لاتخاذ مجموعة من الإجراءات لتخفيض النفقات، وأمام الحكومة مجموعة كبيرة جدا من الخيارات للتعامل مع جائحة لم يشهد العالم مثيلا لها منذ أكثر من 70 عاما.
كما أن وزارة المالية سترفع توصياتها بشأن خفض الإنفاق قريبا إلى مقام خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز، بيد أن ذلك لن يشمل المصروفات الضرورية مع الحرص على استمرار توفير الخدمات الأساسية كالإنفاق على مواجهة تداعيات فيروس كورونا، واستمرار تقديم الخدمات بمستوياتها العالية لجميع المواطنين والمقيمين، وناشد الوزير جميع المواطنين والمقيمين على بذل أقصى الجهود للخروج من هذه الأزمة بأكثر المكاسب الممكنة، وطمأن الوزير الجدعان قطاع الأعمال بأن الحكومة ستستمر في الاقتراض من خلال إصدار السندات دون مزاحمة للسيولة التمويلية الداخلية للقطاع الخاص.
ولا بد أن نكون جاهزين لمواجهة احتمالات استمرار الأزمة لفترة أطول، وشدد على ضرورة سعي الجميع إلى تخفيض المصروفات بأعلى درجات الحيطة والحذر، وعبر الوزير عن تفهمه لآثار الإجراءات الوقائية في عمل القطاع الخاص، مشيرا إلى أن الحكومة استثمرت مبالغ كبيرة في البنية التحتية الرقمية، ونجحت، والحمد لله، في تمكين مؤسسات الدولة وكذلك مؤسسات القطاع الخاص من العمل عن بعد محققة، والحمد لله، نجاحا منقطع النظير على طريق الرقمنة، الذي سيكون له دور مهم على طريق تحقيق الإصلاحات التي ننشدها جميعا، موضحا أن نتائج تداعيات الجائحة ستتضح بشكل جلي في بنود وأرقام ميزانية المملكة.
ورأى أن السيولة في القطاع المصرفي متوافرة وبشكل كبير، وهو ما نوهت عنه بعض المؤسسات المالية الدولية، ولذلك لا يوجد لدينا تحد في السيولة المصرفية، وقادرون على إدارة السيولة وتوفير احتياجات القطاع الخاص، والحكومة حريصة على دعم القطاع الخاص من خلال مركز إدارة الدين العام وعلى عدم مزاحمة القطاع، بل والاستمرار في الإصدارات الداخلية والخارجية حسب وضع السوق وتكلفة الدين.
هكذا كان حديث وزير المالية مفعما بالموضوعية والصراحة والشفافية والقناعة، بناء على الخطط الاقتصادية التي تنتهجها السعودية، وكان الوزير حريصا على المصارحة والمكاشفة والاستعداد لمرحلة ما بعد كورونا، وهي مرحلة ــ كما هو واضح من حديثه ــ ستكون مختلفة تماما عن مرحلة ما قبل كورونا، ليس على مستوى الاقتصاد السعودي فحسب، بل على مستوى الاقتصاد العالمي.