رب ضارة نافعة
تمر على الأفراد والأمم أمور في ظاهرها السوء والحسرة والندامة، ولكن يتضح فيما بعد أن في داخل هذه السحابة السوداء وابل صيب يجعل الأرض مخضرة وينبت العشب والكلأ. الإنسان بطبعه عجول سريع الانفعال قصير النظرة إلا ما رحم ربي. يرى شيئا يسوءه فيكرهه وما علم أن هذه المحنة في ظاهرها قد تنتهي إلى منحة لم يكن يحلم بها، وذلك مصداق لقول الحق سبحانه (فعسى أن تكرهوا شيئا ويجعل الله فيه خيرا كثيرا)، والأمثلة على ذلك كثيرة سواء على مستوى الأفراد أو على مستوى الدول. ذلك الرجل ندم كثيرا على فوات رحلته الجوية ليعلن بعدها بساعات سقوط الطائرة نتيجة خلل فني، وذاك الذي استشاط غضبا لتواطئ أصحابه كي لا يصحبهم في نزهة بحرية لتهب عاصفة قوية لم ينج منها أي ممن كانوا في ذلك المركب، والأمثلة على ذلك كثيرة، ولعل أوضح مثال يشاهده العالم هذه الأيام هو فيروس كورونا كوفيد - 19 الذي اجتاح العالم في كارثة صحية بلغت كلفتها آلاف المليارات من الدولارات فضلا عن الآلاف من الموتى والملايين من المصابين.. ومع ذلك نجد فوائد ودروسا وعبرا جناها الأفراد والأسر والمجتمعات، فمن تلك الدروس أن بعض الناس لم يكن يلقي بالا للنظافة الشخصية ولا للصحة بصفة عامة ليأتي هذا الفيروس لينبهه من غفلته، ومع كثرة الجلوس في البيوت عزز هذا الفيروس حب القراءة والاطلاع وزادت ثقافة المجتمع سواء الثقافة الصحية أو غيرها، كما خفف الشره والاستهلاك غير المنطقي الذي كان سائدا لدى بعض الأسر، وقوى العلاقات الأسرية بشكل كبير وزاد تماسك الأسرة الواحدة، وأعاد ترتيب الأولويات لدى الأفراد والأسر والمجتمعات، أما الفوائد البيئية فحدث ولا حرج فقد انخفضت ملوثات الهواء بشكل كبير فاق كل التوقعات وقلت انبعاثات الغازات وانحسر استهلاك الفحم على مستوى العالم وانجلت سحب التلوث من سماء المدن، بل ظهر بعض الحيوانات الذي توقع المختصون انقراضه، أما على الصعيد التعليمي فقد فتح هذا الفيروس أنظمة التعلم عن بعد لكل مراحل التعليم وعلا الغبار تلك الحقائب المدرسية التي كانت تنوء بها ظهور الطلاب والطالبات، ومن فوائده أنه كشف الوجه البشع للمفاهيم الرأسمالية المتوحشة وأظهر للعالم حقيقة القادة والحكومات التي تعد الشعب جزءا لا يتجزأ منها، ويعدها الشعب جزءا لا يتجزأ منه، ألم يقل العرب "رب ضارة نافعة"، لعل العالم يستوعب الدرس جيدا.