كيف سيبدو العالم بعد الجائحة؟ «2 من 2»
مع الأسف يتم لعب هذا السيناريو المتشائم في أجندة السيطرة الشاملة، وهي فرصة لا يضيعها المسؤولون. فبالنسبة إلى بعضهم، الوباء عذر ملائم لتوجيه الشعور المتنامي بالعجز عند الناس. قد ترغب الشعوب في تسليم الصلاحية للحكومات. هناك قاعدة عامة: عندما نشعر بالخوف نكون أكثر استعدادا للتخلي عن كل شيء. حتى عندما يتظاهر الجميع بالحرية، إلا أنهم في ظل الظروف المناسبة ستظهر شخصيتهم العادية. هناك أيضا احتمالية البحث عن كبش فداء. ففي النهاية لا شيء يجمع الشعب أكثر من تهديد خارجي. لذا، وبغض النظر عن الإجراءات الارتدادية، قد تطفو ردود الفعل المليئة بالشكوك على السطح.
البنية الأساسية والتكنولوجيا وإطار العمل موجودة منذ زمن لتعزيز الأحكام العرفية. يجب أن نفكر كيف يمكن أن تصبح هذه التدابير الاستثنائية موجودة دائما. أشير هنا إلى أشياء مثل التخلي عن بعض الحقوق.
علاوة على ذلك، قد ينطوي السيناريو المتشائم على تقليل شعور الناس بالمجتمع من خلال تغيرات اجتماعية مختلفة: تفوق التجارة الإلكترونية "لا مزيد من التسوق في المتاجر"، واختفاء المساحات المكتبية والتركيز على التعلم عبر الإنترنت واللعب، إضافة إلى متابعة الرياضة والأمور الترفيهية عن بعد. قد تصبح فكرة الروابط الاجتماعية من الماضي.
يتم تطبيق عديد من هذه الإجراءات بالفعل، لكن مع ظهور كوفيد - 19 تم تسريع فكرة تقبلها، ومن الممكن أن يجعلها دائمة. نحتاج إلى أن نسأل أنفسنا: إلى أي مدى يجب أن نضحي بحياتنا لنشعر أكثر بالأمان؟ هل نريد أن نعيش في عالم نادرا ما يجتمع فيه الأشخاص مع بعضهم؟ إذا ما أصبح التباعد الاجتماعي هو المعيار، هل يمكننا التعامل مع احتمالية الإصابة بالاكتئاب الناجم عن العزلة بشكل أكبر، ومع ردود الفعل المليئة بالشك وسوء استخدام الدواء والانتحار؟
وأيضا حول السيناريو المتفائل وأنه ليس بالضرورة أن تجلب الأزمات قوى الارتياب والسوء فقط، فبإمكانها أيضا أن تحدث تكافلا اجتماعيا. كما شاهدنا مرات عدة عندما يتحد الناس تحدث المعجزات.
نحن اليوم على أعتاب قرارات حاسمة. فقد تشجعنا الجائحة على التفكير بقوة إرادتنا مجتمعين رغم خسارة كثيرين وظائفهم. هل يمكن أن تكون الجائحة فرصة لتوجيه طاقاتنا نحو الأعمال الخيرية؟ ما الأعمال التي نرغب في استعادتها، والأخرى التي نستطيع الاستغناء عنها؟ وبالنظر إلى القلق المتزايد حول كوكبنا والآثار الكارثية للاحتباس الحراري، هل نريد حقا كل هذا التواصل والتنقلات الجوية؟
من وجهة نظر تطورية، تأتي الصحة من المجتمع. فحياة الإنسان لا تزدهر في العزلة. فكوننا جزءا من المجتمع، فهذا أمر ضروري لصحتنا العقلية. كما هو الحال، نحن نعيش بالفعل التباعد أكثر من أي وقت مضى. هل ينبغي لنا أن نواصل هذا المسار؟ قد تكون الجائحة فرصة لإعادة الروابط المفقودة وإيجاد مجتمعات أكثر تعاونا وترابطا. الجهد المشترك للعلماء حول العالم لإيجاد علاج لفيروس كورونا يشير إلى أن ذلك ممكن.
قد تدفعنا الجائحة إلى معالجة قضايا لطالما كنا ندركها لكننا فضلنا تجاهلها. وقد تكون فرصتنا لفعل شيء حيال بعض القادة لتخفيف التفاوت الاجتماعي الاقتصادي، ولمحاربة الإدمان بجدية، واتخاذ تدابير لتجنب الانهيار البيئي. لذلك، نحتاج أولا إلى تقبل واقع أننا نعيش في عالم مترابط. وينبغي لنا أن نطور آفاقا محلية عالمية، حيث نفكر بشكل عالمي ونتصرف على النطاق المحلي.
فوق ذلك، فتح فيروس كورونا أمامنا الباب لإنشاء مجتمعات أكثر تعاطفا، مجتمعات تدرك أننا مترابطون ونهتم بكوكبنا لأجيال قادمة. قال سياتل مرة: "لم تنسج البشرية شبكة الحياة، بل نحن، لكننا خيط واحد فيها. وكل ما نفعله من أجل تلك الشبكة فنحن نفعله لأنفسنا. فجميع الأشياء مترابطة ومتصلة ببعضها".