متى نحقق الاستفادة الكاملة من الثروات الطبيعية؟
منذ توحيد البلاد على يد الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن، وإعلان قيامها موحدة في 22 جمادى الأولى 1351 هـ / 23 سبتمبر 1932، والخيرات تنهال على أرضها وتتفجر من تحتها، إلى جانب القبول والاحترام لها في مختلف أرجاء العالم، ولا سيما الدول الإسلامية، التي ترى فيها قبلتها، ومهبط خاتم الرسالات، ويضم ثراها قبر الحبيب المصطفى محمد بن عبدالله - صلى الله عليه وسلم.
ولعل نية صالحة ودعوة مقبولة رافقت هذا التوحيد، ليأمن الحجاج حجهم، وتتشرف هذه الدولة بخدمتهم، وتكون ملاذا للخائفين ليأمنوا، ومأوى للمشردين ليهنأوا، وطالبي العمل ليسترزقوا.
كانت المملكة واديا غير ذي زرع، إشارة إلى الجدب والتصحر، وأصبحت - ولله الحمد ثم بدعوة أبي الأنبياء إبراهيم عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام - تتفتق من أرضها كل الخيرات. قال تعالى "ربنا إني أسكنت من ذريتي بواد غير ذي زرع عند بيتك المحرم ربنا ليقيموا الصلاة فاجعل أفئدة من الناس تهوي إليهم وارزقهم من الثمرات لعلهم يشكرون"، (37) سورة إبراهيم.
وتشق هذه البلاد طريقها في بناء دولة عصرية على أسس ومبادئ إسلامية سامية لا تحيد عنها، بل هي دستور يبقى في النظام الأساسي للحكم فيها لأجيالها المتتابعة، ينفي عنها المزايدة أو الجحود.
وأصبحت المملكة رائدة العالم في إنتاج الطاقة والتحكم فيها، بسيطرتها وحدها على ما يزيد على 20 في المائة من النفط المتداول في الأسواق العالمية، وأثبتت الأزمات والأحداث مكانتها وثقلها في التحكم في هذا العنصر المهم لكل مكونات الاقتصاد العالمي.
وما زال الخير ينهمر على هذه البلاد وأهلها، فبالأمس نحتفل باكتشاف حقلين للنفط والغاز في شمال المملكة، وقبله احتفلنا بوعد الشمال لإنتاج البوتاسيوم وخام الألمنيوم، وسير أطول قطار في الشرق الأوسط لنقل إنتاجه من شمال المملكة إلى رأس الخير - كما أسماه الملك عبدالله بن عبدالعزيز - وقبله حقل شيبه وقبله وقبله... ولن يكون الأخير.
إن نعمة النفط والغاز والموارد الطبيعية في هذه البلاد هي من أجل النعم، ومن أعظم المنن، ويتمناها الكثير، وهي عمود اقتصادنا وهيكله وذروة سنامه.
ولا شك أن المملكة أنشأت، ولا تزال، صناعات نفطية لتعظيم الاستفادة من هذا المورد بإنشائها شركة "سابك" للصناعات الأساسية، وما درج على نهجها من الشركات البتروكيماوية، وأصبحت "سابك" من رواد المواد الخام للبوليمرات وخام البروبيلين، وغيرها من الكيماويات والمخصبات الزراعية والمواد الأساسية لصناعات أكثر تعقيدا.
أنشئت الشركة السعودية للصناعات الأساسية "سابك"، بمرسوم ملكي في عام 1396/ 1976، أي منذ 44 عاما، ونحن ننتج الصناعات الأساسية ونصدر هذه المواد الخام، سواء منتجات سابك أو ما في حكمها، وكذلك النفط والغاز الخام، ليتم تصنيع هذه الموارد لصناعات ثانوية ونهائية وتعود إلينا على هيئة منسوجات وزيوت تشحيم وفلاتر مياه لمحطات التحلية، وألواح أكريلك، وبدائل القطن والخشب والزجاج، وبدائل مواد البناء التقليدية والمصنعات المشتقة من الأوليفينات والإيثلين والبولي إيثلين والسوائل الكيماوية للاحتياجات الطبية والصناعية والغذائية، وغيرها من قائمة طويلة من المنتجات قامت على أساسها مصانع في دول عديدة، وازدهرت بموجبها اقتصادات متعددة، وفتحت فرص عمل في هذه المناطق، ولا شك أن الله هو الرزاق ذو القوة المتين.
أظن أن 44 عاما مضت لإنتاج الصناعات الأساسية تكفي، بل أرى أن الاستمرار في هذا النهج ليس من الحكمة، ولا بد أن يبدأ العد التنازلي عن تصدير المواد الأساسية ليتم تصنيعها محليا، وإنشاء الصناعة محليا، وفتح فرص التوظيف لأبنائنا وبناتنا. وكي لا أغالب الحقيقة، فإن هذا التوجه ضمن سياسة الشركة ونشاطها، لكنه بحاجة إلى دفعة للأمام حتى يتماشى مع متطلبات العصر وتيار "الرؤية" الرامي إلى الاعتماد على الصناعة كأهم روافد الاقتصاد المحلي، وعدم الاعتماد على النفط والغاز كمصدر رئيس.
الموارد الطبيعية وتوفرها في مكان ما هو - بلا شك - من أجل النعم التي يمن الله بها على أهل ذلك المكان، لكن الركون إليها والاعتماد عليها، فيه مجازفة واعتياد على سهولة استخراجها وبيعها بمبالغ متدنية، في الوقت الذي يتم تصنيعها من قبل آخرين وإعادتها إلى أهلها بآلاف الأضعاف، وفي وقت يمكن تعظيم الفائدة منها محليا، لا شك أن فيه غبن لأهلها، ولا سيما أن هذه الموارد غير متجددة، وقد ينكشف الأمر فيما بعد عن وضع بموارد أضعف أو بلا موارد.
وما يغفل عنه البعض، أهمية العنصر البشري، أو الموارد البشرية، وهي موارد أيضا، ويجب النظر إليها أنها أهم وأخطر من الموارد الطبيعية، لأنها إما تستصلح ويستثمر فيها أفضل وأعلى أنواع الاستثمارات وتكون منتجة، بل وستكون هي العامود الفقري للاقتصاد، وإما ستكون عبئا ثقيلا.
دول كثيرة كانت فقيرة وأصبحت قدوة العالم في النهضة والنمو والتطور في شتى مناحي الحياة، مثل اليابان وكوريا وسنغافورة والصين والهند حاليا، وفيما عدا الصين والهند، فإن هذه الدول التي ضرب بها المثل وليست على سبيل الحصر، دول ليس لديها موارد طبيعية، لكنها تستورد موادها الأولية اللازمة للصناعة كلها، وتصنع معظم الموارد الطبيعية الأساسية في العالم، وتعيدها إلى الأسواق بآلاف الأثمان، ما يعود على شعوبها بالازدهار والنماء.
صناعة السيارات اليابانية أو الكورية أو الصناعات الثقيلة للطائرات والقطارات والسفن وحاملات الطائرات، جميع موادها الخام من حديد ونحاس وألمنيوم وبلاستيك وزجاج وغيره مما يستورد لهذه الدول، يكاد يكون بنسبة 100 في المائة، ويعاد تصنيعه وفق التكنولوجيات التي تم تطويرها من قبل الموارد البشرية المدربة والماهرة في جامعات ومعاهد متقدمة تسخر العلوم بشتى أنواعها لدعم آلة الإنتاج والتصنيع والتطوير والمنافسة والمحافظة على المراكز المتقدمة، بالمواكبة وتلمس حاجات العالم وازدهاره.
ماذا حققت دول كثيرة لديها موارد طبيعية، لشعوبها ودولها من تطور غير التركيز على استنزاف هذه الموارد والتكالب والتنافس على العمل لدى حكومات هذه الدول والاعتماد عليها وعلى مواردها بأسهل الطرق وأيسرها، وهو الاستخراج والتصدير أو تصنيع المنتجات الأساسية؟.
لا تقارن الثروات الطبيعية لفنزويلا والأرجنتين أو نيجيريا، بالثروات المتوافرة لدى اليابان، لكن بنظرة بسيطة إلى مستوى الحياة المعيشية والنمو والتطور، لا مجال للمقارنة. بمعنى آخر، هل هذه الموارد انقلبت نقمة على هؤلاء؟.