لا تبالغوا في تقدير التعافي من الجائحة «2 من 2»

لم يكن أداء معظم اقتصادات الأسواق الناشئة جيدا. إذ يشهد النشاط الاقتصادي في الهند تباطؤا حادا، الذي قد يتفاقم بفعل تسارع مدمر في حالات الإصابة بعدوى كوفيد - 19 بسبب تخفيف إجراءات الإغلاق. وقد دفعت الحكومة ببعض الإصلاحات الزراعية وإصلاحات سوق العمل، لكن النظام المصرفي المتعثر بفعل القروض المعدومة يظل يشكل قيدا قويا يعوق النمو. وكان أداء البرازيل وروسيا أفضل قليلا. لكن البلدين يعانيان انكماشا اقتصاديا كبيرا، وكل منهما لا يملك سوى قـلة من أدوات السياسة المتاحة لإنعاش النمو.
الدولة الوحيدة التي تشهد تعافيا قويا هي الصين، حيث انتعش الإنتاج الصناعي والخدمات إلى حد كبير بفضل نجاح الصين الواضح في السيطرة على الفيروس. كما ارتدت مبيعات التجزئة والاستثمار في قطاع التصنيع إلى المستويات السابقة. ويؤكد عديد من المؤشرات أن أداء الصين الاقتصادي أصبح الآن أقوى مما كان عليه قبل الجائحة.
لكن خلافا لما حدث في أعقاب أزمة 2008 المالية العالمية، من غير المرجح أن يكون أداء الصين القوي مفيدا بشكل كبير في دعم بقية الاقتصاد العالمي، خاصة بسبب الاندفاع المتزايد نحو تفكيك العولمة. وستعمل "استراتيجية التداول المزدوج" التي أطلقتها الصين أخيرا ـ والتي بموجبها تعتمد البلاد بشكل متزايد على الدورة المحلية في الإنتاج والتوزيع والاستهلاك فيما يتصل بالتنمية البعيدة الأمد ـ على تعزيز هذا الاتجاه.
ما يزيد الأمور تعقيدا على تعقيد أن الذخيرة المتاحة للبنوك المركزية الآن أصبحت أقل كثيرا مما كانت عليه بعد أزمة 2008. من المؤكد أن البنوك المركزية الكبرى بذلت قصارى جهدها على مستوى السياسات منذ اندلعت أزمة كوفيد - 19، فواصلت التوسع النقدي غير المسبوق من أجل دعم النشاط الاقتصادي، وفي بعض الحالات لدرء الانكماش. حتى إن بعض البنوك المركزية ـ وأبرزها بنك الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي ـ ذهبت إلى تعديل أطر سياساتها للإشارة إلى تسامحها مع التضخم الأعلى. كما لجأت البنوك المركزية في بعض الاقتصادات المتقدمة الأصغر حجما، مثل أستراليا ونيوزيلندا، والاقتصادات الناشئة، مثل الهند، إلى اتخاذ تدابير غير تقليدية.
لكن حدود استخدام السياسة النقدية لتعزيز النمو أصبحت واضحة على نحو متزايد. في الوقت ذاته، تتسبب المشتريات الواسعة النطاق من سندات الشركات والحكومات، إلى جانب التمويل المباشر للشركات، في توليد مخاطر جسيمة ـ خاصة تلك التي تهدد استقلالية البنوك المركزية.
على هذه الخلفية، لن تجد الحكومات سوى خيار واحد معقول: المزيد من التحفيز المالي القوي، الذي يجب أن يأتي، في الأمثل، على هيئة إنفاق حكومي جيد التوجيه وقادر على تحفيز الاستثمار الخاص. أيا كانت المخاطر التي قد تولدها زيادة الدين العام، فإنها لا تقارن بالآلام الاقتصادية التي ستواجه البلدان في غياب مثل هذا التحفيز ـ خاصة في بيئة أسعار الفائدة المنخفضة اليوم.
لكن ضمان فاعلية التدابير المالية يستلزم استكمالها باستراتيجيات متماسكة لاحتواء الفيروس، وقادرة على العمل بشكل جدير بالثقة على تمكين إعادة فتح الاقتصاد بأمان. في غياب مثل هذه الاستراتيجيات، يظل الطلب والثقة في الحضيض، ويستمر تعثر النمو العالمي لفترة طويلة في المستقبل.
خاص بـ «الاقتصادية»
بروجيكت سنديكيت، 2020.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي