وعد فأوفى .. إصلاحات وإنجازات 

 لا أحد يملك القدرة على وصف الاقتصاد السعودي كما يفعل الأمير محمد بن سلمان ولي العهد، يعرف مكامن القوة ويشخص المشكلة الاقتصادية السعودية وحلها، ويعمل بهمة ونشاط ووطنية أصبحت مصدر إلهام للمواطنين، بل للعالم أجمع. ولهذا، يجب قراءة تصريحات الأمير بحصافة، فهي توضح تفاصيل كثيرة جدا لقضايا مهمة وردت بإيجاز في الخطاب الملكي الشامل الذي ألقاه الملك في مجلس الشورى منتصف الأسبوع الماضي.

فالخطاب الملكي رسم صورة شاملة عن الاتجاهات الاقتصادية المستقبلية مع إشادة بالإنجازات، وعن السياسة الداخلية والخارجية، لكن تصريحات الأمير محمد بن سلمان، قدمت أيضا شرحا كاملا ووافيا للمسيرة الاقتصادية. وسنبدأ من هذه العبارات الاقتصادية الصريحة جدا، حيث قال إن "الناتج المحلي غير النفطي هو المؤشر الرئيسي لنجاح خططنا الاقتصادية، ذلك أن الناتج المحلي الإجمالي يتأثر بتقلبات كميات إنتاج النفط"، ثم يضيف شرحا بالأرقام وبوضوح كامل، وكشف واقع الحال بصدق وشفافية، حيث أضاف أنه "في عام 2016، كانت قيمة الناتج المحلي غير النفطي تقدر بـ1.8 تريليون ريال، وبدأنا في المملكة وضع خطط لمضاعفة ذلك بوتيرة سريعة، والنتيجة كانت نموا متسارعا في الأعوام الثلاثة الماضية، 1.3 في المائة في 2017، و2.2 في المائة في 2018، و3.3 في المائة في 2019 وأكثر من 4 في المائة في الربع الرابع من 2019، وذلك رغم بعض التحديات الاقتصادية".

وإذا كان ولي العهد يقول إن علينا مضاعفة حجم الاقتصاد، فإنه يقاس عند ولي العهد بالناتج المحلي غير النفطي، وهذا الوضع الذي بشر به منذ انطلقت الرؤية، ويتحقق الآن بثبات، لكن يجب مضاعفة الجهود نحو اقتصاد متنوع يستمد قوته من القطاع غير النفطي تماما. لتوضيح الآثار المهمة لنمو القطاع غير النفطي وأهميته الاقتصادية وتأثيراته في الاقتصاد السعودي، وكذلك النظرة الاستباقية والثاقبة للأمير محمد بن سلمان، كمهندس للرؤية والاقتصاد السعودي المعاصر، فإن مشروع تعزيز الإيرادات غير النفطية يعبر عن ذلك بوضوح، فقد أشار إلى توقعات ميزانية 2020، فالإيرادات عند 833 مليار ريال، منها 513 مليار ريال إيرادات نفطية، لكن انهيار أسعار النفط خفض الإيرادات النفطية فعليا إلى 410 مليارات ريال تقريبا، وهي غير كافية لتغطية بند الرواتب المقدر بنحو 504 مليارات ريال، وفي أي اقتصاد آخر كان هذا يعني الركود الاقتصادي، وخسارة ملايين الوظائف، وهو ما شهدناها فعليا في دول العالم المختلفة، ومنها دول مجموعة العشرين ودول الاتحاد الأوروبي العريقة في الاقتصاد.

لكن ما قدمته "رؤية 2030" من برامج ومبادرات، كانت اليوم طوق النجاة لنا جميعا، فتم رفع الإيرادات غير النفطية إلى نحو 360 مليار ريال هذا العام، وبذلك نجحت الحكومة في المحافظة على بند الرواتب، بل الاستمرار في إنفاق رأسمالي بلغ 137 مليار ريال، وتم تحمل ارتفاع تكاليف الرعاية الصحية بسبب الجائحة، بما يصل إلى 188 مليار ريال، مع الالتزام الكامل ببند المنافع الاجتماعية والإعانات ودعم التمويل. إنها قصة نجاح ملهمة ومذهلة وإحساس كبير بالمسؤولية، فهنيئا لشعب المملكة بهذا الأمير الشاب.

لكن قصة تنمية الإيرادات والقطاع غير النفطي لا تقف هنا، فالتحول الضخم الذي حدث لصندوق الاستثمارات العامة جعله اليوم أحد المحركات الأساسية لنمو الاقتصاد السعودي، كما قال ولي العهد. فحجم الصندوق الآن يزيد على 1.3 تريليون ريال تقريبا، وسيتجاوز سبعة تريليونات ريال - بإذن الله. وبعد أن كان الصندوق لا يحقق 2 في المائة، فهو الآن لا يرضى بأقل من 7 في المائة، وهنا نستلهم عبارات ولي العهد المستندة إلى الأرقام الاقتصادية الدقيقة بأنه "لولا عملية إصلاح صندوق الاستثمارات العامة التي تمت طبقا لتوجيهات الملك سلمان لولي العهد برئاسته، ومع ما تم وضعه من سياسات لضخ استثمارات ضخمة داخل السعودية خلال الأعوام الماضية، لفقدنا أكثر من نصف النمو غير النفطي وغاب عدد كبير من الوظائف التي تم إيجادها، وانهار الطلب على عديد من الخدمات والمنتجات والمواد، وأفلس عدد كبير من الشركات".

لكن الصندوق بمجموع استثمارات محلية بلغت 311 مليار ريال خلال الأعوام الأربعة الماضية، أسهم في إيجاد أكثر من 190 ألف وظيفة. بهذه العبارات والشفافية المطلقة يتضح معنى النمو غير النفطي، الذي أشار إليه الأمير في مطلع حديثه. إن النمو غير النفطي يعني أيضا نمو قطاعات كانت شبه مهملة، ولهذا فإن النجاح في الرؤية يعني أن المملكة تشهد نقلة نوعية في قطاعات جديدة وواعدة، نرتكز فيها على إرث ثقافي وتنوع جغرافي وديموغرافي. ولأن ولي العهد يتحدث عن الاقتصاد بلغته، وهي الأرقام وليس مجرد الوعود وعبارات "سوف"، ولتأكيد النجاح في القطاعات الجديدة، استشهد في تصريحاته بإعادة هيكلة قطاع السياحة، حيث أدت هذه الهيكلة إلى ارتفاع نسبة إسهام القطاع في الناتج المحلي الإجمالي إلى 3.6 في المائة في 2018، وهذا فتح قطاعات عمل جديدة وتوظيف مئات الآلاف من السعوديين والسعوديات.

وفي مسار معزز لجهود السياحة، تم رفع نسبة المحميات الطبيعية من 4 في المائة إلى ما يزيد على 14 في المائة من إجمالي أراضي السعودية، وهذا صنع فرص عمل للأمن البيئي إلى عشرة آلاف وظيفة. وفي قطاع الترفيه المكمل، ارتفع عدد الفعاليات المقامة إلى أكثر من 3400 فعالية في 2019، أسهمت في رفع معدلات الإنفاق للمواطنين والمقيمين والزوار والسياح داخل السعودية، ما نتج عنه عشرات الآلاف من الوظائف الدائمة ومئات الآلاف من الوظائف الموسمية. كل هذا النمو الواسع في القطاعات غير النفطية أسهم في الحد من معدلات البطالة، التي أشار إليها ولي العهد بكل شفافية كأهم أولويات الحكومة من خلال إصلاح سوق العمل وتوفير مزيد من الوظائف للمواطنين والمواطنات، ووضعت "رؤية 2030" الوصول إلى نسبة بطالة 7 في المائة في عام 2030 أحد أهدافها، لكن ولي العهد، في لفتة اقتصادية ملهمة جدا، يؤكد أن الهدف ليس الوظيفة في حد ذاتها، بل سيكون هدفنا التالي هو تحسين دخل المواطن.

وضرب مثالا بقطاع الإسكان، كأحد الهواجس الرئيسة للمواطن السعودي خلال العقدين الماضيين، فبعد أن كانت نسبة التملك 47 في المائة عند انطلاق الرؤية تقريبا، وصلنا اليوم إلى 60 في المائة، متجاوزين الهدف بـ8 في المائة، وهذا أسهم في إيجاد نحو 40 ألف وظيفة مباشرة، وما يزيد على 115 مليار ريال في الناتج المحلي الإجمالي. لكن نمو الناتج المحلي غير النفطي لا يحدث دون إصلاح بيئة العمل وتطوير الخدمات، لذا كان لها نصيب كبير من جهود الإصلاح التي يقودها ولي العهد بتوجيهات من الملك سلمان، في بيئة التراخيص الاستثمارية، وإصدار السجلات التجارية وتراخيص البلدية، فوريا وإلكترونيا، وتخليص الحاويات في 24 ساعة بعد أن كانت تصل إلى أسبوعين، وتطوير منصة "أبشر" ليستفيد منها 18 مليون مستفيد، إضافة إلى منصة "ناجز" التي أسهمت في استقبال عشرات الآلاف من الخدمات العدلية الإلكترونية، وإنجازها خلال دقائق. إن تطوير بيئة عمل المرأة السعودية لتعيش مرحلة تمكين غير مسبوقة، ضاعف نسبة مشاركتها في سوق العمل من 17 في المائة إلى 31 في المائة. وفيما يخص حقوق الوافدين، تمت إعادة هيكلة العلاقة التعاقدية بما يحفظ حقوقهم ويسهم في رفع درجة النضج في سوق العمل.

وتظل محاربة الفساد كجوهرة التاج في إصلاح بيئة العمل فيما يخص الحملة المستمرة للقضاء على الفساد، فبعد أن انتشر خلال العقود الماضية مثل السرطان، كما صرح به ولي العهد بكل شفافية، وكان يستهلك 5 في المائة إلى 15 في المائة من ميزانية الدولة، وهو العدو الأول للتنمية والازدهار، لكن الحد منه جعله الآن من الماضي، ولن يتكرر بعد اليوم، وبلغ مجموع متحصلات تسويات مكافحة الفساد 247 مليار ريال في الأعوام الثلاثة الماضية، تمثل 20 في المائة من إجمالي الإيرادات غير النفطية.

وفي المسار نفسه، وبعد أن كانت ظاهرة التطرف بيننا بشكل مستشر، نستذكر هنا وعود ولي العهد في عام 2017 بأننا سنقضي على التطرف فورا، فخلال عام واحد، استطعنا أن نقضي على مشروع أيديولوجي صنع على مدى 40 عاما. هذا - باختصار - ما حققته "رؤية 2030" من إنجازات في زمن قياسي لا يتجاوز أربعة أعوام، وما زلنا في البداية تماما، لكن مرحلة التمكين والانطلاقة، ونتطلع إلى مرحلة تسريع التنفيذ والمضي قدما بعزم وهمة حتى القمة.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي