"تعليق الديون" يخفف الأعباء عن دول تجاوز إجمالي سكانها مليار نسمة
أقر البيان الختامي لأشغال الدورة 15 لمجموعة العشرين التي عقدت افتراضيا، بقيادة المملكة العربية السعودية، تحت شعار "اغتنام فرص القرن الـ21 للجميع"، مخرجات في مستوى اللحظة التاريخية التي يعيشها العالم بأسره، نتيجة تداعيات جائحة فيروس كورونا، وما نجم عنها من أضرار غير مسبوقة في التاريخ.
بيان تؤكد من خلاله المملكة لأعضاء المجموعة، ومن خلالهم لبقية دول العالم، أن الحلول ينبغي أن تبلور بشكل جماعي، وأن الخلاص لن يكون أبدا فرديا. على الرغم من اختيار دول كبرى الحلول الفردية، في بواكير هذه الجائحة، قبل أن تدرك خطأ اختيارها، بعد أن تبين لها أن كوكب الأرض بأسره على كف عفريت، فلا سبيل تضمن النجاة غير التعاون والتضامن، حتى ينال الجميع نصيبه من ثمار النجاح.
تعد رئاسة قمة العشرين الأولى للمملكة في هذا النادي، التي ستظل استثنائية في تاريخ مجموعة العشرين. فالتاريخ لن ينسى أبدا رئاسة الرياض للقمة في عام 2020 المطبوع بتحديات جسام، ورفع التحدي بالحرص الشديد على انعقاد أشغال المجموعة، وإن عن بعد وبشكل افتراضي، لإخراج الإنسانية من لحظة التيه الكبرى التي دخلتها مطلع العام الجاري، بعد هجوم كورونا الشرس وغير المتوقع على العالم.
نجح البيان الختامي الذي تزامن، بالصدفة، مع تباشير انبلاج أخبار لقاح ضد الفيروس، في الأفق قريبا، في بعث الاطمئنان في أركان العالم الأربعة، وإحياء الأمل في النفوس بإمكانية استئناف الحياة الطبيعية قريبا. وجاء بتبني دول مجموعة العشرين مقتضيات تنسي العالم وجع الخيبات، والفشل في وقف الهزائم التي توالت على العالم، منذ بداية جائحة كورونا.
راوحت تلك القرارات التي كانت بمنزلة وصفة طبية، تحتوي على مراهم للتعافي سريعا من تداعيات فيروس كورونا، بين التركيز على إيجاد حلول للنهوض باقتصادات العالم، والحرص على توفير الضمانات للمستثمرين العالميين، بما يوجد أجواء مواتية لاستمرار النمو والتنمية، وتوفير فرص العمل لتخفيف وطأة البطالة والحد من الفقر، ووضع آليات واضحة للتعاون الدولي في مجال مكافحة الجوائح مستقبلا، وتعزيز التأهب بالاستفادة من التجارب النوعية لدول العالم، والحرص الشديد على توافر اللقاح للجميع وبأسعار مناسبة، وإيلاء عناية خاصة بحماية البيئة، بتبني مبادرة الاقتصاد الدائري للكربون، ليشكل قيمة مضافة بدلا من عنصر تدمير للبيئة.
يعج البيان بالمبادرات الإنسانية النوعية التي حولت الرياض إلى منبر للدفاع عن الفقراء والمحرومين في بقاع العالم، لعل أهمها مبادرة تعليق خدمة الديون للدول الأكثر فقرا، حيث تم الاتفاق على تمديد مبادرة تعليق خدمة الديون، حتى حزيران (يونيو) عام 2021. يذكر أن هذا الإجراء وفر ما يزيد على 14 مليار دولار، خففت أعباء الديون على دول تجاوز إجمالي سكانها مليار نسمة، تعد من الأكثر عرضة للخطر.
بلغ عدد الدول التي تقدمت بطلب الاستفادة من مبادرة تعليق مدفوعات خدمة الدين 46 دولة، برقم يصل إلى 5٫7 مليار دولار من خدمة الدين لعام 2020. وكشفت تقارير أولية صادرة عن صندوق النقد الدولي ومجموعة البنك الدولي أن هذه المبادرة مصحوبة بعمليات التمويل الاستثنائية، كان لها بالغ الأثر في المساعدة على رفع مستوى الإنفاق على الجوانب المتعلقة بمكافحة جائحة فيروس كورونا المستجد.
علاوة على مبادرة التصدي للجائحة بضخ دول المجموعة 11 تريليون دولار لحماية الاقتصاد العالمي، من خلال دعم الشركات وحماية الأفراد من تداعيات الجائحة، والمساهمة بأكثر من 21 مليار دولار، لتطوير النظام الصحي العالمي، ودعم إنتاج لقاح قصد مكافحة كورونا. وأكد البيان أن الدول الأعضاء "لن تدخر جهدا لضمان حصول جميع الدول على لقاحات كورونا بسعر مناسب"، الذي يقترب ضحاياه من 1,5 مليون شخص في العالم، فيما تعدى إجمالي المصابين 60 مليون شخص حول العالم.
حضر الإنسان والاقتصاد والبيئة، جنبا إلى جنب، في بيان قمة العشرين في الرياض، إذ نجد الحرص على حماية الأرواح والوظائف والدخول، ومعه السعي لدعم الانتعاش الاقتصادي، بتعزيز مرونة النظام المالي، ودعم نظام التجارة المتعددة الأطراف، والمطالبة بإصلاح منظمة التجارة العالمية، ما أعاد الأمن والأمان إلى العالم دولا وشعوبا، بأن العجز البين للمؤسسات الدولية "الأمم المتحدة، منظمة الصحة العالمية..." في بداية هذه الأزمة، حولته الرياض إلى دافع ومحفز قادها إلى تقديم خريطة طريق، يمكن القول إنها بمنزلة البوصلة التي ستهدي العالم إلى الخروج من معجنة كورونا.
اختارت المملكة العربية السعودية لقمة هذا العام شعار "اغتنام فرص القرن الـ21 للجميع"، دون أن تدرك أنها وهي تضع الشعار تحكي عن نفسها، بعدما كشفت للعالم أنها من أثمن وأندر فرص القرن الـ21، فلولا مصادفة قيادتها الريادية لمجموعة العشرين، في هذا الظرف العالمي الخاص، لكان العالم من أقصاه إلى أقصاه لا يزال يتلمس السبل القمينة للخروج من ويلات جائحة لا تبقي ولا تذر.
لا محالة قادت الرياض العالم إلى اغتنام الفرص، وتكفي إطلالة سريعة على بيان القمة دليلا على ذلك، لكنها في الوقت ذاته فرصة العالم هذه العام، أمام ذهول وصدمة كل التنظيمات والهيئات الدولية.. إنجاز تاريخي يحق للسعوديين وللعرب قاطبة أن يفتخروا به.