باستثناء السعودية والصين .. مؤشرات الإنفاق الأسري في دول "العشرين" تحت خط الصفر خلال ذروة الجائحة
كشف تقرير لمنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية "أوسيد"، قدم إلى قادة دول مجموعة العشرين في قمتهم عبر الإنترنت في الرياض نهاية الأسبوع الماضي عن نقاط ضعف رئيسة في اقتصادات العالم لا يمكن إصلاحها إلا من خلال تعاون عالمي أكبر وإجراءات سياسية قوية وموجهة.
وذكر تقرير "آفاق جديدة/نيو هورايزونز"، الذي طلبته مجموعة العشرين لدعم خطة عملها استجابة للأزمة الصحية العالمية، أن الحكومات بحاجة إلى التخطيط الآن للتعافي مع الاستمرار في التعايش مع الفيروس. ويتعين تكييف التدابير الاقتصادية الطارئة لمعالجة الأزمة، وجعل دعم الناس والشركات أكثر استهدافا، ووضع سياسات جديدة لجعل هدف إقامة اقتصاد عالمي أقوى ومستدام وشامل حقيقة واقعة.
ولاحتواء انتشار الفيروس وإنقاذ الأرواح، فرضت معظم الحكومات في جميع أنحاء العالم تدابير احتواء صارمة خلال الموجة الأولى من الوباء في النصف الأول من 2020. هذه التدابير، أبطأت انتشار العدوى وخفضت بشكل كبير عدد الوفيات، لكنها أثرت في الطلب (من خلال خفض الإنفاق الأسري) والعرض (من خلال انخفاض النفقات الرأسمالية). هذه الإجراءات أحدثت تغييرات سلبية على الناتج المحلي الإجمالي والاستهلاك الخاص.
وفي مجال تأثير الفيروس في الإنفاق الأسري الخاص، يقول التقرير إن السعودية والصين حققتا رقمين إيجابيين لتقفا وحدهما بين مجموعة العشرين فوق خط الصفر، في حين سجلت بريطانيا هبوطا 25 في المائة.
أما من ناحية الناتج المحلي الإجمالي، فالاقتصاد العالمي شهد أعمق ركود منذ ثلاثينيات القرن الـ20، حيث انخفض الناتج المحلي الإجمالي بأكثر من 20 في المائة في النصف الأول من 2020 في بعض دول مجموعة العشرين، حيث تضررت الفنادق والمطاعم والفنون والترفيه والنقل بشكل خاص، علاوة إلى تدهور كبير في ظروف سوق العمل.
ظهرت السعودية في المرتبة الخامسة بين دول مجموعة العشرين التي تلقت أكبر هبوط في ناتجها المحلي الإجمالي، مقارنة بالربع الرابع من 2019، حيث إن ارتفاع رقم الدولة في الترتيب يعني تلقيها أكبر الأضرار، وبالعكس.
كانت الصين الدولة الوحيدة، التي لم يتأثر ناتجها المحلي الإجمالي، بل سجل زيادة 1.7 في المائة، في حين سجلت روسيا هبوطا 4.5 في المائة، وكوريا الجنوبية 4.6 في المائة، وأستراليا 7 في المائة، ثم السعودية في المرتبة الخامسة 7.1 في المائة، والهند 7.2 في المائة، واليابان 7.9 في المائة، والولايات المتحدة ناقص 10 في المائة.
أما تركيا فناقص 11 في المائة، وألمانيا ناقص 11.1 في المائة، والبرازيل ناقص 11.2 في المائة، وكندا ناقص 12.5 في المائة، والاتحاد الأوربي ناقص 15 في المائة، جنوب إفريقيا ناقص 16.9 في المائة، وإيطاليا ناقص 17.6 في المائة، والمكسيك ناقص 17.7 في المائة، وفرنسا 18.5 في المائة، والأرجنتين ناقص 19.8 في المائة، وبريطانيا ناقص 21.9 في المائة، وإسبانيا ناقص 22 في المائة، وإندونيسيا ناقص 25.1 في المائة.
ما يتعلق ببناء سلاسل توريد أكثر مرونة وقوة في المجال الصحي، ويكشف تحليل التجارة في سلع كوفيد-19 أن عددا قليلا من دول مجموعة العشرين، بما فيها ألمانيا والصين وبريطانيا والولايات المتحدة، هي المصدر الرئيس والمستورد للمنتجات اللازمة لمكافحة كوفيد-19. وتعتمد الدول الأصغر والنامية اعتمادا كبيرا على هؤلاء الموردين.
وبشأن دول المجموعة، التي قامت بتعديل نظمها القائمة أو اعتمادها مخططات جديدة للاحتفاظ بالوظائف، اعتمدت السعودية إجراء واحدا من ستة إجراءات يتعلق بوضع مخطط جديد للعمل لفترة قصيرة. لكن التقرير يقول إن هذا التنوع في الاختلافات بين الدول يعكس: الصدمات، التي تتعرض لها مختلف قطاعات سوق العمل، وانتشار الجائحة وتدابير الإغلاق.
وفيما يتعلق بملف مكافحة الفساد، قدمت السعودية طلبا للانضمام إلى الفريق العامل المعني بالرشوة التابع لمنظمة التنمية والتعاون الاقتصادي، تمهيدا للانضمام إلى اتفاقية المنظمة لمكافحة الرشوة، وهي المعيار الدولي في هذا المجال.
خيارات الإصلاح لدعم التعافي
وفي كلمته خلال مؤتمر القمة، قال الأمين العام لمنظمة التنمية والتعاون الاقتصادي، أنخيل كوريا، إن هناك حاجة إلى إصلاحات طموحة لضمان انتعاش قوي.
وأضاف: "نحن بحاجة إلى التأكد من أن الصحة والحماية الاجتماعية تعودان بالفائدة على الجميع، وأن الاستثمارين العام والخاص يتماشى مع أهداف التنمية المستدامة، ونحتاج إلى بناء المرونة في قلب أنظمتنا الاقتصادية والاجتماعية".
ودعما لمجموعة العشرين، يناقش التقرير خيارات الإصلاح الهيكلي لدعم التعافي الاقتصادي القوي والمستدام والمتوازن والشامل من الركود الوبائي، الذي نم عن وباء كوفيد-19، الذي وصفه بأنه "أكبر صدمة اقتصادية عالمية منذ عقود ولا يزال يتسبب في خسائر في الأرواح وركود عميق في 2020".
ويقول هناك حاجة إلى تعاون أقوى بين الحكومات، حيث يمكن لدول مجموعة العشرين مجتمعة أن تقود الطريق في بناء انتعاش مرن وطويل الأمد، ومعالجة أوجه عدم المساواة وحماية كوكب الأرض.
وحددت المنظمة الحاجة إلى التعاون في عدد من المجالات، أولها في مجال الصحة، من البحوث إلى تصنيع وتوزيع المواد الطبية ولقاحات كوفيد-19، وثانيا في التجارة، لضمان سلاسل إنتاج عالمية قوية للمواد والمنتجات والأجهزة الصحية الأساسية،
وثالثا في فرض الضرائب على الشركات المتعددة الجنسيات مع تزايد رقمنة الاقتصاد، فضلا عن بناء اقتصاد أكثر توافقا مع الاستدامة البيئية بتشجيع الاستثمارات والوظائف الخضراء، وخامسا منع التدفقات المفاجئة لرأس المال وأزمات الديون السيادية في الأسواق الناشئة والدول النامية.
ويقول التقرير إنه ينبغي الحفاظ على الإنفاق المالي الاستثنائي والدعم النقدي طالما كانت هناك حاجة إلى ذلك للحد من صدمة الوباء، ويحدد الكيفية التي ينبغي أن تعمل بها الحكومات على ثلاث ركائز رئيسة لتحقيق انتعاش قوي وشامل ومستدام وإعادة تخصيص الموارد، ودعم الناس، وبناء نظام اقتصادي مستدام ومرن للمستقبل.
والركيزة الأولى تمثلت في تسهيل انتقال الأشخاص والشركات ورأس المال إلى حيث تكون الآفاق واعدة أكثر، إذ ستحتاج الحكومات إلى مساعدة العمال والأعمال التجارية على الانتقال من القطاعات المتقلصة إلى القطاعات الآخذة في التوسع، عن طريق إزالة الحواجز التي تعترض التنقل، وتكييف خطط الاحتفاظ بالوظائف لتشجيع البحث عن عمل، وزيادة المنافسة، وتسهيل حصول الشركات على التمويل والتقنيات المتقدمة أو تيسير إعادة هيكلة الشركات (مثل نظم الإعسار الفعالة وأدوات التمويل المتنوعة).
الركيزة الثانية: مساعدة الناس على إيجاد وظائف جديدة وتعلم مهارات جديدة وحماية الدخول من خلال تحسين التدريب وبناء المهارات، ولا سيما بين الشباب والنساء الذين لا يتمتعون بمهارات عالية، وكثيرا ما يتعرضون للخطر في سوق العمل.
وسيتعين أن تتطور مخططات الاحتفاظ بالوظائف لضمان حماية الناس، بدلا من وظائفهم، وتوسيع فرصهم وضمان دخلهم. وينبغي أن يكون هناك تركيز قوي على بناء المهارات الرقمية، ولا سيما للفئات ذات المهارات المتدنية وغيرها من الفئات الضعيفة، في حين أن توفير الإجازات المرضية المدفوعة الأجر واستحقاقات البطالة الكافية أمران أساسيان لتعزيز حماية الدخل.
والركيزة الثالثة: جعل الاقتصاد أكثر استدامة وقدرة على التكيف مع الصدمات في المستقبل من خلال زيادة الاستثمارات العامة والخاصة، خاصة في النظم الصحية، والرقمنة، والتعليم والتدريب، وخفض الانبعاثات، مع تحسين متانة المواقف المالية من خلال مراجعة الإنفاق العام والتحول نحو مصادر أوسع وأكثر تنوعا للإيرادات.
وذلك علاوة على زيادة الاستثمارين العام والخاص، خاصة في مجالات الرعاية الصحية والرقمنة وخفض انبعاثات الكربون والتعليم والمهارات، وهي أمور ضرورية لتعزيز الاستدامة والمرونة.
وتقرير "آفاق جديدة" جزء من مجموعة واسعة من التحليلات والتوصيات من منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية والمنظمات الدولية الأخرى لدعم عمل مجموعة العشرين.
وفي كلمته خلال قمة الرياض، رحب أنخيل كوريا، بإنجازات مجموعة العشرين في ظل رئاسة السعودية.
وأشار على وجه الخصوص إلى أن مجموعة العشرين أعادت التأكيد على أهدافها المتمثلة في خفض نسبة الشباب الأكثر عرضة لخطر التخلف عن الركب في سوق العمل بنسبة 15 في المائة بحلول 2025، وتقليص الفجوة بين الجنسين في القوى العاملة بنسبة 25 في المائة على مدى الأعوام الخمسة المقبلة.
وأكد مواصلة منظمة التنمية والتعاون الاقتصادي ومنظمة العمل الدولية، ورصد التقدم المحرز في هذه المجالات، وكذلك أثر الوباء في العمالة والاتجاهات في مجال الهجرة.
وقال إن منظمة التنمية والتعاون الاقتصادي تواصل العمل مع مجموعة العشرين من أجل التوصل إلى اتفاق سياسي حول كيفية فرض ضرائب على الاقتصاد الرقمي بحلول منتصف 2021.
وفي تقرير الأمين العام عن الضرائب إلى وزراء مالية مجموعة العشرين، حذرت المنظمة من أنه دون اتفاق، سيكون هناك انتشار للتدابير الأحادية الجانب وزيادة في المنازعات الضريبية والتجارية الضارة التي يمكن أن تخفض الناتج المحلي الإجمالي العالمي في وقت نرزح فيه تحت وطأة هذا الوباء.
ورحبت كوريا، أيضا، بالتقدم الذي أحرزته مجموعة العشرين في مكافحة الفساد وتجريم الرشوة الأجنبية، بما في ذلك طلب السعودية الانضمام إلى الفريق العامل المعني بالرشوة التابع لمنظمة التنمية والتعاون الاقتصادي، تمهيدا للانضمام إلى اتفاقية المنظمة لمكافحة الرشوة، وهي المعيار الدولي في هذا المجال.