بيان الميزانية .. قول وفعل

تم إعلان أرقام الميزانية لعام 2020 وأرقام موازنة عام 2021 وجاءت مبشرة سواء على مستوى عام 2020 حيث انخفض العجز عن التوقعات عندما كنا في شدة أزمة كورونا، وعلى مستوى موازنة عام 2021 عكست بواقعية التطلعات والتحديات، وربما أضافت شفافية أعلى، سأقوم باستعراض أهم ملامحها لكن بداية سأستعرض أهم ما ورد في أرقام عام 2020.
الإيرادات متوقع أن تبلغ 770 مليار ريال والنفقات في حدود تريليون و68 مليار ريال، حيث شملت النفقات زيادة لاعتمادات استثنائية لمواجهة أزمة كورونا بلغت 159 مليارا، وفي المقابل تم توفير في بعض البنود بمقدار 111 مليارا ليصبح صافي النفقات ارتفاعا بحدود 48 مليارا، وهذا - في رأيي - يعكس إدارة جيدة للميزانية العامة، فلولا تحقيق الوفر لارتفعت النفقات فوق تريليون و116 مليار ريال، وبذلك يرتفع العجز فوق 340 مليار ريال.
من الملاحظ أنه، لأول مرة، تم تغير تبويب الإيرادات بشكل جوهري، حيث أصبح التبويب الجديد هو إيرادات ضريبية وإيرادات أخرى، ويقصد بالإيرادات الأخرى: إيرادات النفط وايرادات الاستثمارات، وهو عكس التبويب السابق الذي كان يضع الإيرادات النفطية كمصدر رئيس ويبوب كل ما عدا ذلك بالإيرادات الأخرى، ولعل هذا التبويب، وإن كان شكليا، إلا أنه له رمزية كبيرة جدا ومهمة تعكس توجه الدولة للإصلاح المالي وتحقيق استقرار في الميزانية عبر الاعتماد مستقبلا على الضرائب وتخفيف الاعتماد على النفط، بل إلغاء تسمية الإيرادات النفطية والاكتفاء بالإيرادات الأخرى التي كذلك ستعطي إشارة إلى استقلالية أكبر في التعامل مع أرامكو كشركة، والتعامل معها كشركة يتم تحقيق إيراد عبر ضريبة الريع المطبق على إنتاج النفط الخام، وضريبة المواد الهيدروكربونية، ومن ثم أحقية الحكومة في توزيعات الأرباح.
بسبب هذا التبويب الجديد لم تكن الأرقام واضحة عن مقدار الإيرادات النفطية بسبب إضافة إيرادات الاستثمارات من البنك المركزي أو الصندوق، لكن أتوقع أنها تصل إلى حدود 425 مليارا مع وجود نسبة خطأ بكل تأكيد قد لا تتجاوز 5 في المائة. أما بالنسبة للإيرادات الأخرى - الضريبة والاستثمارات - فقد تصل إلى 345 مليار ريال، وهذا يعني أن الإيرادات غير النفطية شكلت 45 في المائة، وهي نسبة لأول مرة يتم تحقيقها، وهي خطوة قوية وصحيحة نحو تنويع الإيرادات بعيدا عن النفط.
بالنسبة لعام 2021، فالتوقعات تشير إلى تحسن أفضل في مزيج الإيرادات حيث يتوقع أن تصل إيرادات الضرائب، دون الاستثمارات، إلى مقدار 257 مليارا بنسبة 30 في المائة من إجمالي الإيرادات، والإيرادات الأخرى - نفطية واستثمارات - مقدار 592 مليار ريال، وهي تشكل 70 في المائة من الإيرادات، لكن لو فصلنا إيرادات الاستثمار عنها، كما كان يعمل سابقا لمعرفة حجم الإيرادات النفطية وغير النفطية، فأتوقع أن الإيرادات النفطية ما بين 440 و460 مليارا، وهو ما يعني أنها تمثل ما بين 51 و54 في المائة، ومن الجهة الأخرى تعني ارتفاع نسبة الإيرادات غير النفطية إلى ما بين 49 و46 في المائة، وهو تأكيد السعي نحو تخفيف الاعتماد على الإيرادات البترولية.
ختاما، وبعد هذا الاستعراض السريع والبسيط على جزء من الأرقام تتضح الدلالة والرمزية لتنويع الإيرادات، بل بالأرقام هي تؤكد النجاح نحو هذا التوجه، كما يقول المثل الشعبي "قول وفعل"، وهو ما سيساعد الحكومة مستقبلا على الاستمرار في تنفيذ مشاريعها وخططها التنموية والإصلاحية، ولا يفوت في هذا المقام الإشارة إلى الدور المتعاظم لصندوق الاستثمارات العامة، الذي أشار إليه ولي العهد، في تحقيق برامج الرؤية، وضخ المليارات في الاقتصاد السعودي العام المقبل والأعوام التي بعده، ولعلي أتناول هذا الجانب المهم في مقال منفصل - بإذن الله.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي